وزراء معنيون بملف النازحين تلقوا “وشوشات” بأنّ القضية عالقة ومرتبطة بالوضع الإقليمي
تواصل الأحزاب المسيحية بصورة خاصة تحذيراتها من مخطط يرمي إلى توطين النازحين في لبنان، في ظل لا مبالاة دولية من خطورة هذا الملف على لبنان، لأنّ جوهر تلك الهبات هو منع عودة السوريين إلى بلدهم، وتمويل بقائهم في لبنان ومنع توجّههم إلى أوروبا
كتبت صونيا رزق لـ”هنا لبنان”:
يعود ملف النازحين السوريين كل فترة ليتصدّر الواجهة السياسية في لبنان، من دون أن يجد الحل المطلوب، على الرغم من مرور 13 عاماً على بدء الثورة السورية، التي أنتجت تداعيات خطرة على لبنان ما زال يدفع ثمنها لغاية اليوم.
وعلى الرغم من أنّ التوصيات النيابية بشأن هذا الملف، صدرت قبل فترة بشبه إجماع نيابي وتوافق وطني، تتواصل الأسئلة حول مدى تنفيذها من قبل الحكومة أم أنها ستبقى حبراً على ورق، إن لم تقترن بأوراق قوة للضغط على المجتمع الدولي وتعزيز التفاوض، خصوصاً انّ النقاط التسع لحظت بأنّ لبنان ليس بلد لجوء، وطالبت بتحويل المساعدات إلى النازحين في سوريا، والتواصل مع كل الجهات المعنية بالملف، ومنها مفوضية اللاجئين والحكومة السورية، كما طالبت الورقة بمعالجة أزمة النزوح بمهلة أقصاها سنة.
هذه المخاوف تنتشر في صفوف الفريق المعارض، الذي أطلق هواجسه من عدم تنفيذ هذه التوصيات، وغياب أي قدرة لها على مواجهة مخاطر النزوح وتداعياته على لبنان واللبنانيين، في ظل غياب أي ثقة بما يمكن أن تقوم به السلطة أمام مغريات الهبات الأوروبية، بمساعدة الفريق الممانع الذي يصرّ أولاً على رفع الحصار عن النظام السوري، والضغط على أوروبا والولايات المتحدة لدفعهما إلى إيقاف مفاعيله بأقصى سرعة، وفي مقدمهم حزب الله الذي لا يريد ضمنياً إعادة النازحين إلى ديارهم، ودعوة أمينه العام السيّد حسن نصرالله في أيار الماضي إلى فتح البحار اللبنانية أمام النازحين، هدفت إلى إطلاق رسالة للمجتمع الغربي للتفاوض معه وحده، على غرار ما يجرى مع الموفدين الدوليين بشأن القرار 1701 والوضع الجنوبي.
مغريات الهبات الأوروبية ما زالت حاضرة
إلى ذلك وفي ظل المخاوف من فرض إبقاء النازحين في لبنان، مقابل مغريات الهبات الأوروبية، تبقى هذه المسألة عالقة بتلك المغريات، لذا تواصل الأحزاب المسيحية بصورة خاصة تحذيراتها من مخطط يرمي إلى توطين النازحين في لبنان، في ظل لا مبالاة دولية من خطورة هذا الملف على لبنان، لأنّ جوهر تلك الهبات هو منع عودة السوريين الى بلدهم، وتمويل بقائهم في لبنان ومنع توجّههم الى أوروبا.
إنطلاقاً من هنا لا بدّ من قراءة هادئة لتبعات الملف، والأخطار التي تحدّق بلبنان ومن كل الجهات، والتي وصلت الى ذروتها، خصوصاً مع خلافات الوزراء اللبنانيين الذين تناسوا ما صدر من قرارات دولية رافضة لعودة النازحين، فعلت بعض الأصوات الرافضة، فيما حكومة تصريف الأعمال تتلهى بالقشور السياسية، وبالتناحر بين وزرائها على هوية مَن سيترأس الوفد الوزاري إلى سوريا، مع التذكير بأنّ وزير المهجرين عصام شرف الدين زار دمشق في شباط 2022 لبحث الملف، وأعلن حينها عن تجاوب الجانب السوري لحلّه، فأثارت زيارته خلافاً داخل الحكومة، وفي تشرين الاول الماضي كانت زيارة لوزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب إلى سوريا على رأس وفد وزاري، لم تحقق المطلوب.
أين ورقة التفاهم مع دمشق؟
في غضون ذلك وضع وزير المهجرين خطة لعودة النازحين منذ أكثر من عامين، لكنها تلقت اعتراضاً من بعض الوزراء والسياسيين، فيما اعتبرها البعض الآخر خطة منطقية تقوم على عودة تدريجية لهم، وحينها اُعيد عدد قليل من القوافل، على الرغم من أنّ الخطة سبق أن تناولت ملف مكتومي القيد السوريين الذين ولدوا في لبنان، وملف الخدمة العسكرية السورية، مع اقتراح عودة 180 ألف نازح كل دفعة الى القرى السورية. وافيد بأنه تم وضع ورقة تفاهم مع دمشق، وطرحت الخطة خلال مؤتمر بروكسل وشارك فيه الجانب اللبناني، الذي طالب بحوافز للنازح السوري العائد إلى بلاده، وبأن تدفع المساعدات المادية والعينية والاستشفائية في سوريا، مع أمله في حصول تغيير في مواقف الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، إضافة إلى المطالبة بتشكيل لجنة ثلاثية تضم لبنان وسوريا والمفوضية، لتسهيل عملية المراقبة من خلال لجان فرعية لكل قرية سيعود إليها النازحون.
النظام السوري غير متجاوب
كل ما ذكر لم يتحقق لا بل على العكس ساهم في اعتكاف وزير المهجرين عن حضور مجلس الوزراء، حتى تحقيق مطالبه وقيام اللجنة الوزارية بمهامها، ومتابعة تسيير قوافل العودة بطريقة منظمة من خلال الخطة التي وضعها، مع تشكيل لجنة وزارية لزيارة دمشق تنفيذاً لقرار مجلس النواب الذي مرّ عليه ما يقارب الشهرين، ودعا ضمنه إلى تفعيل عملها للتواصل مع الدولة السورية والاطراف الدولية والاقليمية، مع تشديد الوزير شرف الدين على ضرورة ان يترأس بو حبيب هذه اللجنة.
في سياق معاكس ووفق معلومات “هنا لبنان” تلقى الوزراء المعنيون بالقضية “وشوشات”، بأنّ الملف عالق ويحتاج إلى الكثير من التنظيم، وهو مرتبط بالوضع الإقليمي ولن ينتهي في الأفق القريب، مما يعني أنّ حل القضية صعب حتى إشعار آخر، في حين انّ رئيس حكومة تصريف الأعمال أعلن خلال جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، عن زيارة قريبة للوزير بو حبيب الى دمشق، ما يطرح أسئلة حول هذا التناقض والتخبّط في ملف النزوح، وسط معلومات بأنّ النظام السوري يرفض إعادة النازحين من دون أثمان باهظة “وحرزانة “، أي تعليق عقوبات قيصر الأميركية، والحصول على مساعدات مالية دولية ضخمة لسوريا لإعادة الإعمار، والانفتاح عربياً ودولياً على النظام، والنتيجة أنّ دروب العودة بعيدة جداً، والأسباب التي يستعين بها المجتمع الدولي لإبقاء النازحين في لبنان، جاءت مع حجج واهية مهمتها تقديم المصالح الخاصة لتلك الدول أولاً، ووضع لبنان في أتون النيران.