“لو كنت أعلم”.. ومن بعدها الطوفان!
ترجمة “هنا لبنان”
كتب Marc Saikali لـ “Ici Beyrouth“:
ها نحن أخيراً بمواجهة الخطأ الحسابي الذي يخشاه الجميع! فقد كان متوقعاً أن يشرد عن كل تلك الصواريخ، صاروخ يتسبب بسقوط ضحايا مدنيين، عدا عن أعمدة الهوائيات الثلاثة على الجانب الآخر من الحدود. أكان الصاروخ عن طريق الخطأ؟ أم أنّ الدفاعات الإسرائيلية نفسها تسببت بانحرافه بشكل سيئ؟ طبول الحرب ستمحو كل ذلك الجدل. إذ لا مفر من الرد الإسرائيلي. فكيف سيأتي؟
لا أحد يمتلك الإجابة ولكن الثابت والمؤكّد هو أنّ لبنان سيكون الخاسر الوحيد، حسب تصريحات الوزراء الإسرائيليين الذين يريدونه تارة أن يحترق وطوراً أن يُباد، وفي أحدث النسخ، “تمزيق” بيروت.. عدا عن الخطاب المتكرر الذي يهدد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري.. محطة توقف الزمن اللبناني أصلاً عندها منذ زمن، بغياب والكهرباء والبنية التحتية. ولكن لحسن الحظ لا يبدو أنّ الإسرائيليين يدركون الهاوية التي ينزلق إليها هذا البلد الفقير.
أما الموال الإسرائيلي الثاني فيتمحور حول “تدمير لبنان وحزب الله”. وكأنّ أحداً أخذ برأي لبنان في الأصل! السواد الأعظم من اللبنانيين يعارضون الحرب التي لن تؤدي إلا إلى المعاناة ولن تحل شيئاً. سكان لبنان رهائن بشكل مضاعف، فهم رهائن حزب الله، الذي يتلقى أوامره من فرس طهران الذين تخطوا الثمانين من العمر، وإسرائيل، التي تستسهل حشر الجميع في نفس الخندق!
فمن عساه الخاسر الأكبر سوى اللبنانيين؟ ومن تراهم الفائزون؟
قد يتبجح نتنياهو بحماية شعبه وقد يتقدم في استطلاعات الرأي. لكن هذا لا يعني نجاح إسرائيل بتدمير حماس وإعادة رهائنها. كما أن الهجوم على حاملة الطائرات الإيرانية ما زال مهمة مستحيلة. وحزب الله لن يباد دون شك. لكن الحال مختلفة بالنسبة للبنان.. لبنان معرض للدمار. لكن طهران لا تقصر نظرها على دويلة خارجة عن السيطرة، والعين على ما بعد الحرب وعلى مفاوضات وقف القتال. وهنا، مقابل الإسرائيليين، لا مُحاور إلا حزب الله. الأقوياء يتفاوضون مع الأقوياء. ذلك أن المسيحيين المنعزلين مثلاً في “بانتوستانهم”، منقسمون لدرجة تحرمهم من تمثيل أي شيء. وهم بذلك يرتكبون عملية انتحارية لن يغفرها لهم التاريخ. على أي حال، إذا اندلعت حرب عالمية، سيسلك مسيحيو لبنان، وهم آخر من تبقى في الشرق الأوسط، طريق المنفى.
لحظة! سيبقى بالطبع عدد قليل من كبار السن.. فتظهر في هذه المساحة دار لرعاية المسنين مثلاً، يأتي بين الفينة والفينة أبناء الشتات لزيارتها، قبل أن يتم إغلاقها طبعاً بفعل الإفتقار للنزلاء. أما السنّة فلا زعيم يعتدون به منذ الرحيل القسري لسعد الحريري.
في ظل هذه الصورة، يبقى الإسرائيليون وحزب الله على طاولة التفاوض.. لا أحد سواهما. ومن يدري؟ قد تعلن الميليشيا الموالية لإيران “نصراً إلهياً” جديداً على أنقاض لبنان. وتكفيهم لهذا الإعلان، موافقة الإسرائيليين، خلال المفاوضات على الانسحاب من قطعة أرض أو اثنتين أو ثلاث أو على نشر عدد قليل من الجنود الأميركيين أو جنود الأمم المتحدة على أراضيهم. “نصر إلهي” سيسمح أخيراً لرئيس الجمهورية الإسلامية اللبنانية بالاستقرار بسلام في بعبدا. ومن بعدها، تطوى هذه الصفحة.
منذ 8 تشرين الأول، لم تفوت Ici Beyrouth فرصة للتشديد على أنّ الحرب هي أسوأ الحلول. وفي الأصل، هذا ما تؤمن به الغالبية العظمى من اللبنانيين. نقول ونعيد أنّ اللبنانيين سيدرسون استعدادهم للانخراط في هذه الحرب حين يتحرك سكان العالم العربي الإسلامي البالغ عددهم 1.6 مليار “على طريق القدس”. نقول ونعيد أن الجنوب المدمر لا يساعد غزة بأي شكل من الأشكال، وأن لبنان دفع أغلى الأثمان “للقضية الفلسطينية” خلال 15 عاماً من الحرب. ولكن كيف آل بنا الأمر حتى بات من لا يرغب بالوقوف اليوم بوجه الدمار الشامل، ينعت بالعار والخيانة؟! من الواضح أنّ الموت من أجل الآخرين ما عاد قدر اللبنانيين حصراً، بل موقفاً إلزامياً. ومع بدء الغارات الأولى، ستعلو مجدداً عبارات “لسنا نحن….” و”لو كنت أعلم…”، وسيُعلن النصر على أي حال..إلهي أم لا.. سندرك ذلك قريباً جداً!