اللبنانيون بين الانتحار الجماعي أو الموت البطيء: الأزمة تقضي على المواصفات!
كتب حبيب معلوف في “الأخبار”:
يؤكد أحد مديري المختبرات في معهد البحوث الصناعية أن نتائج اختبارات أُجريت على بعض سوائل الجلي الرخيصة التي انتشرت في الأسواق أخيراً، بيّنت احتواءها على تلوّث جرثومي مضرّ بسبب استخدام مياه ملوّثة في تصنيعها والتقليل من معايير المواد الحافظة فيها، ما يؤدي الى زيادة الجراثيم بدل القضاء عليها! كما تبيّن أن نسبة المواد الفعّالة في التنظيف، في بعض أنواع مساحيق الغسيل، لا تتعدّى الـ 4 في المئة، فيما نحو 60% منها من الملح الذي يزيد الوزن ويتسبّب في إتلاف الملابس والغسالات الكهربائية.
هذا، وغيره من التلاعب بمواصفات السلع والمنتجات، المستوردة والمنتجة محلياً، بات أمراً شائعاً مع بلوغ الانهيار المالي مداه الأقصى، ما يشكّل انهياراً لخطوط الأمان التي تحول دون تدمير مقوّمات الحياة والصحة العامة والخاصة. ويزيد الأمور سوءاً ضعف الدولة، بكل أجهزتها، عن القيام بدورها الرقابي. علماً أنها في مرحلة «الصعود» والازدهار»، لم تلتفت إلى ضرورة الحفاظ على أسس التنمية المستدامة وقواعد الإنماء المتكامل (لا المتوازن)، وإلى الاعتناء بصمامات الأمان البيئي والصحي، كالمختبر المركزي الذي تمّ إلغاؤه عام 2007!
في غياب الرقابة وارتفاع كلفة إجراء الفحوصات في المختبرات، وفي ظل الانشغال بـ«المدعوم» من عدمه، تكمن الخشية الأساس في التخلي عن أخذ العينات اللازمة، خصوصاً للبضائع المستوردة، وفحص مطابقتها للمواصفات، وبالتالي إمكانية استهلاك منتجات مخالفة لمواصفات المواد الغذائية السليمة.
وتتركّز المخاوف حول جودة السلع الغذائية في المواد الغنية بالمياه أكثر من تلك الجافّة، لأنها سريعة التلف، ولا سيما الفواكه والخضار. أما المواد الجافّة (كالقمح واللوز والجوز والمكسّرات وغيرها) التي يسهل فحصها أثناء الاستيراد، فتكمن مشكلتها في ما بعد في سوء التخزين، بهدف الاحتكار أو طمعاً في انتظار ارتفاع الأسعار.
إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار المخصّبات الزراعية الكيميائية المستوردة، يمكن أن يؤدي الى التوسع في استخدام مياه الصرف الصحي في ري المزروعات، لاعتقاد كثير من المزارعين بأنها تشكل بديلاً عن الأسمدة الكيميائية، ما يؤدي إلى تلويث الإنتاج الزراعي وتهديد الصحة العامة. والأمر نفسه ينطبق على المبيدات الزراعية الرخيصة المهرّبة، والممنوعة عالمياً، بسبب آثارها الخطيرة على المنتجات على أنواعها.
أضف إلى ذلك أن تراجع إدارة النفايات الصلبة والسائلة سيؤثر حتماً على نوعية المياه المعبّأة، في ظل ضعف آليات المراقبة بسبب ارتفاع كلفة أخذ العينات وإجراء الفحوصات وانخفاض رواتب العاملين في المختبرات. فيما سيؤدي رفع الدعم عن الدواء، ومع انعدام أي نوع من الرقابة في ظل إغلاق المختبر المركزي، إلى إدخال سوق الدواء في فوضى عارمة ودخول أدوية «جينيريك» غير مراقبة.
ارتفاع أسعار المحروقات على أنواعها أيضاً، مع انخفاض القدرة الشرائية، سيؤديان حتماً إلى تراجع مواصفات الوقود المستخدم في قطاع النقل وإنتاج الطاقة والصناعات… فكلما زادت الشوائب في المحروقات انخفض سعرها. ويمكن للتجار، بحجة أزمة شحّ العملات الأجنبية، اللجوء إلى خيار اعتماد النوعية الرديئة والأقل ثمناً، ما يعني كذلك زيادة في التلوّث والوفيات. ويترافق ذلك مع ظواهر مخيفة منها، مثلاً، ظاهرة بيع مخفّف الانبعاثات من عوادم السيارات، أو ما يُعرف بـ«ديبو البيئة»، أي مخفّف الأمراض الناجمة عن تلوث الهواء والمسبّبة الأولى للوفيات في لبنان والعالم. ناهيك بأن تراجع سعر الليرة أمام الدولار سيزيد حتماً من استيراد كثير من المنتجات البلاستيكية ذات النوعيات الرديئة التي سرعان ما تصبح نفايات تتفكّك وتنتقل إلى المياه والمزروعات وتتسبب بتلويث التربة.
المواصفات بين الاقتصاد والصناعة
تختلف مسؤوليات مراقبة المواصفات بين تلك المستوردة التي تخضع لأحكام مراسيم المواصفات الإلزامية ولآلية تقييم المطابقة في حال تم استيرادها وفقاً للأصول، وبين تلك المصنّعة محلياً. المعنيّ الأساسي بالرقابة في الآلية الثانية هو المصنع ووزارة الصناعة. ولدى طرح المُنتَج في الأسواق يأتي دور حماية المستهلك (وزارة الاقتصاد) التي يمكنها في أي لحظة سحب عينات من الأسواق وفحصها لمطابقتها مع المواصفات ذات الصلة واتخاذ الإجراءات اللازمة.
ولا تخضع كل السلع لمواصفات إلزامية باستثناء المنتجات ذات الأثر المباشر على الصحة والسلامة العامة والبيئة. تشمل المواصفات الإلزامية حديد البناء، قواطع الألومنيوم، بلاط السيراميك، الأجهزة المنزلية الكهربائية، الشاحن، القواطع الكهربائية، اللمبات، الألعاب الكهربائية، قوارير الغاز، المراجل البخارية، المستلزمات والأجهزة الطبية، الفوط الصحية، الحفاضات، الخيم الخارجية، الدفاتر المدرسية، المصاعد، مواد التنظيف، مواد التجميل، بطاريات السيارات، بطاريات متفرّقة… وغيرها من المنتجات الصناعية التي لا يمكن مطابقتها إلا في معهد البحوث الصناعية.
أما بالنسبة إلى المواد الغذائية، فهناك شريحة كبيرة منها تخضع لمواصفات عَمودية خاصة بالمنتج نفسه، وبعضها يخضع لمواصفات أفقية مثل الإضافات والملوّنات وغيرهما. وهذه المنتجات يمكن تقييم مطابقتها للمواصفات في المعهد أو في مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية في الفنار التابعة لوزارة الزراعة، بحسب أحكام مراسيم المواصفات الإلزامية.
مواضيع ذات صلة :
قبول استقالات القضاة في لبنان: تعرّفوا على وجهتهم الجديدة ورواتبهم المغرية في الخارج! | الدولار متوفر.. لماذا الارتفاع الجنوني؟ | على طاولة حكومة ميقاتي ملفات قابلة للتفجير.. |