العلاج بالتبريد يزيل التوتّر ويفيد الصحّة النفسيّة والبدنيّة
منذ مئات السنين، اعتاد كثيرٌ من البشر استخدام درجات الحرارة الباردة بهدف تحسين صحتهم وعلاج إصابات أجسادهم. ومع تعدّد وتنوّع أساليب العناية بالصحة والراحة في عصرنا الحاليّ، دخل العلاج بالتبريد أو ما يُعرف بالـ”كريو ثيرابي” cryotherapy عوالم متنوّعة تشمل التعافي بعد ممارسة الرياضة، وتجديد النشاط في أيام الاختلاء بالذات أو بمجموعة من المقربين retreat days، وارتبط بالرفاهية البدنية والعقلية.
ما هو العلاج بالتبريد؟
إنّه كلّ علاج صحّي أو طبّي يستخدم البرودة الشديدة للاستفادة من تأثيراتها الإيجابية عبر استعمال الثلج، أو الماء، أو الهواء. وفي العلاجات الدقيقة، يستعمل النتروجين السائل أو غاز آرغون بهدف تجميد خلايا وأنسجة متضرّرة، أو التخلّص منها. ويستخدم في الطبّ التجميليّ لحالات جلدية كالثآليل أو الزوائد الجلدية أو البقع الداكنة.
وفي السنوات الأخيرة، اكتسب العلاج بالتبريد لكامل الجسم شعبية واسعة، ذلك أنّ البرودة الشديدة قد تساعد في تقليل آلام الالتهابات المختلفة عبر تخفيف انتقال إشارات الوجع عبر الأعصاب.
وحاضراً، يروّج شكلٌ من الـ”كريو ثيرابي” يقتصر على الجلوس في مقصورة العلاج بالتبريد لمدّة تتراوح بين 3 و5 دقائق.
العصب المبهم كممرّر للراحة الباردة!
يُعدّ العصب المبهم Vagus nerve أطول عصب ممتدّ مباشرة من الدماغ إلى أعضاء الجسم، خصوصاً البطن. ويُعدّ الطريق السريع للتفاعل بين العقل والجسد، وهو منظِّم قويّ للمزاج، ويسهم في استرخاء جسمك بعد تعرّضه للتوتّر. وخلصت دراسات إلى إنّ البرودة تعزّز عمل الجهاز العصبيّ المسؤول عن استرخاء الجسم. ويحصل ذلك أيضاً مع تعرّض العصب المبهم للبرودة، عبر فروة الرأس وفقرات الظهر بداية من الرقبة إلى العصعص.
كيف تعمل البرودة على تسكين الآلام؟
د. مارك أبي حاتم – جرّاح عظام ومفاصل
في حالات التهابات المفاصل أو الإصابات الرياضية، وضع الثلج يعمل على انقباض الأوعية الدموية أو ما يُسمّى vasoconstriction وبعد فترة نصف ساعة الموصى بها لوضع الثلج، ولدى إزالته، تتوسّع هذه الشرايين مجدّداً أو ما يُسمّى vasodilation، وتسمح بتدفّق الدم. عندها، يفرز الجسم مادة الأندروفين وهي مادة مسكِّنة للآلام. لذلك، فإنّ استخدام الثلج في هذه الحالات يسكّن الآلام موضعياً. كما يوصى أحياناً باستخدام الأكياس الباردة والأكياس الساخنة بشكل متناوب للوصول إلى النتيجة نفسها.
على مستوى التهابات الأوتار، يساعد الثلج على التئام وشفاء هذا النوع من الالتهابات بطريقة أسرع.
كذلك، عندما يتعرّض الشخص لكدمة أو أيّ نوع من هذه الإصابات، لا بدّ من وضع الثلج كي لا يتكوّن الورم الدمويّ (hematoma)، وبذلك تنقبض الأوعية الدموية الصغيرة.
أيضاً هواة الرياضة والرياضيون، بعد ممارستهم الرياضة، قد يتعرَّضون كثيراً لالتهابات الأوتار والتعضيل، وقد يقيهم الثلج من هذه الحالات، ويساهم في ترميم بعض الألياف العضلية التي أُجهدت خلال الرياضة، ويشدّ العضل.
فوائد بدنيّة متنوّعة
محمد عبود – معالج فيزيائيّ
نتحدّث عن نوعين من العلاج بالتبريد معتمدين في علاج التهابات المفاصل وإعادة تأهيل الجسم والعضل وتعافيهما بعد الرياضة. الأول، هو حمام الثلج للجسم كاملاً باستثناء الرأس طبعاً، والثاني هو أجهزة قابلة للنفخ تُلبس بشكل موضعيّ على المفصل المعنيّ وتعطي شعور التبريد.
تُستخدم تقنيات العلاج بالتبريد الموضعية بالدرجة الأولى بعد بعض العمليات الجراحية مثل الرباط الصليبيّ في الركبة أو لترميم وتعافي جميع الأنسجة الصغيرة، أو للإصابات الرياضية لا سيّما التي تُظهر انتفاخاً سريعاً بعدها، أو بعد الإصابة بتمزّق في العضل أو التواء في الكاحل أو انقطاع وتر، وغيرها من حالات الالتهابات الحادّة للمفاصل.
يعمل التبريد على تقليص الالتهاب والشعور بألمه، من خلال تحفيز العصب المبهم. فيما ثبتت فعالية العلاج بالتبريد ضدّ التهابات المفاصل وشفاء ما بعد الإصابات الرياضية ونشاط الرياضيين، لم تثبت بعد فعاليّتها الكاملة على الأمراض المزمنة وأمراض المفاصل.
وكذلك يُعدّ العلاج بالتبريد مزيلاً للضغوط، إذ يفرز الجسم هرمون الدوبامين خلال حمام الثلج.
إجمالاً، يفضّل لاعبو كرة القدم وضع الجزء الأسفل من أجسامهم في حمام الثلج، أمّا لاعبو كرة السلة فيفضلون وضع كلّ أجسامهم في حمام الثلج. ويُستخدم أيضاً للاعبي كرة القدم تحت عمر الـ16 عاماً، من مرّتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، لكن بحرارة 10 درجات مئوية.
ليس هناك نهج في ممارسة حمام الثلج، فهو أمر يمكن القيام به صيفاً وشتاءً، سواء بعد نشاط رياضيّ لترميم العضل أو من غير نشاط رياضيّ للاستمتاع بشعور الراحة النفسية بعده. لكن من الأفضل التعوّد تدريجاً.
من المهمّ التحدّث إلى الطبيب قبل تجربة هذا العلاج، ولا ينبغي على النساء الحوامل والأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والتنفّس تجربته.
قبل الجلوس في حمام الثلج، يجب أن يتحضّر الشخص عبر قيامه بحمام ماء بارد، ومراعاة تشبّع الجسم بالماء، وعدم تناول وجبة طعام كبيرة مباشرة قبل الحمام.
ما علاقة العلاج بالتبريد بالرفاه والصّحّة العقليّة؟
ألفونس عاد – صاحب مركز للعافية
أصبح هذا النوع من العلاج أخيراً من أساليب جودة الحياة والرفاه التي يبحث عنها الناس في عصرنا الحاليّ، كالتأمّل واليوغا وغيرهما. وكذلك أصبح جزءاً من عالم العافية والراحة، وينتشر في المراكز الصحّية. ويقتصر حمام الثلج على الجلوس في وعاء كبير فيه ثلج يصل إلى عنق الشخص. وتندرج هذه التقنية ضمن نشاطات أيّام الاختلاء بالذات أو مع مجموعة من المقرّبين.
ويرغب جميع هواة هذه الممارسات في تجربة حمام الثلج، مع التفاوت في قدرتهم على احتمال ذلك. ويتحمّل البعض 10 ثوانٍ فيما قد يستمرّ آخرون حتّى 10 دقائق. وتكون الـ40 ثانية الأولى في هذه الجلسة هي الأصعب، لكن بعد تجاوز هذه المدّة، يتخدّر الجسم ويصبح تحمّل البرودة أسهل.
تكون الحرارة في حمام الثلج 5 درجات مئويّة، وتتراوح بين الـ5 والـ10 درجات مئويّة للمبتدئ.
مواضيع ذات صلة :
علاج الصلع المبكر وأسباب حدوثه | مع العودة إلى المدرسة… 10 نصائح لتخفيف التوتر عن طفلك | فوائد غير متوقعة للدواء الوهمي! |