تحرير سعر ربطة الخبز… إلى 65 ألف ليرة سِر!
بات رغيف خبز اللّبناني معلّقاً بين مطرقة رفع الدّعم وسندان دولرة الأسعار، فبعد رفع الدّعم عن معظم مكوّنات الخبز العربي المحروقات، سيطلّ علينا شهر أيلول بكابوس رفع الدّعم عن المكوّن الأساسي أي الطّحين
كتب إيلي صرّوف لـ “هنا لبنان”:
في دولةٍ متحلّلةٍ تَعرَّت من كلّ مقوّماتها إلّا الاسم، يُصبح المَسُّ بأمن المواطنين على أشكاله المختلفة مُباحًا، في ظلّ اندثار مفهوم المساءلة والمحاسبة. فالأمن الاقتصادي تحوّل حلمًا، الأمن الصّحي يحتاج إلى عنايةٍ مشدّدةٍ، الأمن البيئي في طور الانقراض، الأمن الاجتماعي مُصابٌ بطلقات الفلتان والعوَز؛ وحتّى الأمن الغذائي بات مهدّدًا. كيف لا، ورغيف خبز اللّبناني معلّقٌ بين مطرقة رفع الدّعم وسندان دولرة الأسعار.
بعد رفع الدّعم عن معظم مكوّنات الخبز العربي والمحروقات، عقب الأزمة الاقتصاديّة الحادّة الّتي لا يزال لبنان يتخبّط بتداعياتها، سيطلّ علينا شهر أيلول بكابوس رفع الدّعم عن المكوّن الأساسي أي الطّحين، بعد انتهاء القرض المقدّم من البنك الدّولي عام 2022 بقيمة 150 مليون دولار أميركي، لتنفيذ مشروع الاستجابة الطّارئة لتأمين إمدادات القمح؛ وعدم تجديده. بالتّالي، سيصبح رفع الدّعم الكلّي عن ربطة الخبز وتحرير سعرها واقعًا مريرًا، في ظلّ تطوّراتٍ مشتعلةٍ على صعيد المنطقة، لا يمكن ضمان تأثيراتها المستقبليّة على أسعار المحروقات عالميًّا وإمدادات الطّحين.
في هذا الإطار، يوضح رئيس اتحاد نقابات الأفران ناصر سرور، في حديث لـ”هنا لبنان”، أنّ “كميّات القمح المتبقيّة المدعومة عن طريق قرض البنك الدّولي تكفي حتّى 15 أيلول المقبل تقريبًا. أمّا مخزون الطّحين المتوافر والّذي لا يخضع للدّعم، فيلبّي الاحتياجات المحليّة لمدّة ثلاثة أشهر”، مؤكّدًا أنّ “المادّة متاحة في جميع المطاحن”.
وعن السّعر المستقبلي لسعر ربطة الخبز بعد رفع الدّعم الكلّي، يشير إلى أنّ “مع احتساب سعر الطّحين على دولار يساوي 90 ألف ليرة لبنانيّة، سيصبح سعر ربطة الخبز في صالات العرض 65 أو 68 ألف ليرة كحدٍّ أقصى، بحسب أسعار القمح والنّايلون والمحروقات وسعر صرف الدّولار الحالي”، مبيّنًا أنّ “تسعيرة ربطة الخبز في المحلّات التّجاريّة والسوبرماركت ستصل إلى نحو 75 ألف ليرة، إذ تُضاف على سعرها الأساسي تكلفة النّقل وهامش ربحٍ للمحل أو السوبرماركت”. وينفي أن “يطرأ أيّ تغيير على صعيد وزن ربطة الخبز، أقلّه حتّى منتصف الشّهر المقبل”.
على خطى معظم السّلع الأخرى في بلد اللّيرة، قد يخضع الخبز للدّولرة أيضًا، وهذا ما يحذّر منه سرور، ويفسّر أنّ “في الدّول المستقرّة الّتي تؤمّن خدماتٍ عامّةٍ لمواطنيها، لا مشكلة في رفع الدّعم، لكن في لبنان هناك انهيارٌ ماليٌّ واقتصاديٌّ، غيابٌ للأمان الاجتماعي، نسبة اللّبنانيّين الّذين يحتاجون لمساعدة تفوق الـ40 بالمئة، ولا ضمانات بأن يبقى سعر صرف الدّولار مستقرًّا؛ لا سيّما في ظلّ غياب رئيسٍ للجمهوريّة واندلاع الحرب”.
ويركّز على أنّه “عند دولرة الأسعار، إذا ارتفع سعر القمح أو النّفط عالميًّا، أو طرأت مشكلةٌ على سلسلة التّوريد عبر البحر، فهذا سيرفع سعر الخبز، وفي المقابل لا يمكننا تقديم ضماناتٍ للمواطنين بأنّ السّعر سيبقى ثابتًا عند حدود الـ65 ألف ليرة”، مشدّدًا على أنّ “ربطة الخبز خطٌّ أحمر، وهي غذاء الفقير والمحتاج، ولا يجب دولرة سعرها”.
وعمّا إذا كان هناك أي مسعى للحصول على قرضٍ جديدٍ من البنك الدّولي، أو مساهمةٍ ماليّةٍ ما من جهةٍ أخرى، يكشف سرور “أنّني لا أعتقد أنّه يمكن الحصول على قرضٍ جديدٍ حاليًّا، لأنّ لبنان لم يلتزم بالشّروط أو الإصلاحات الّتي طلبها البنك الدّولي. في المقابل، أجرينا كاتحاد نقابات أفران مجموعة اتصالاتٍ ما زالت مستمرّة حتّى الآن، للحصول على هبةٍ من الخارج، وناشدنا كلّ الدّول الشّقيقة والخليجيّة الّتي تقف عادةً إلى جانب لبنان، أن تقدّم المساعدة إذا أمكن؛ ونتمنّى أن تعمل الحكومة على هذا الملف”، معربًا عن أمله في “ألّا يرتفع سعر ربطة الخبز، لكنّ المسألة ليست بيَدنا”.
كأنّ التّحدّيات المعيشيّة المتفاقمة ومخاوف اللّبنانيّين من القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسيّة في حال توسّعت الحرب الإسرائيليّة على لبنان، والطّوابير الّتي أُرغموا على تذوّق ذلّها في السّنوات الماضية لا تكفي، حتّى أُضيف إليها اليوم هَمّ سعر ربطة الخبز، الّذي سيدخل بورصة العملة الخضراء. فهل سيتمكّن ثمن الخبز من الحفاظ على بعض الثّبات في ظلّ غليان المنطقة، أم أنّ قوت الفقير سيصبح للأغنياء فقط؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
في سيناريوهات الحرب: مصير لبنان النّفطي معلّق بالممرّ البحري | جنود المستشفيات جاهزون للحرب… بشرط | نَحرُ القطاع الزّراعي مستمر… والدّولة في سبات عميق |