عندما تقدّم إسرائيل فرصة لانتخاب رئيس!
يستطيع النوّاب الحريصون على عدم جرّ لبنان إلى حروب إقليمية لا قوة لدينا على تحمّلها، أن يتحالفوا ويتبنّوا خطاباً واضحاً يضمن التفاف 65 نائباً حول إسم مرشّح حقيقي لرئاسة الجمهورية، ويستطيعون بالطرق القانونية والبرلمانية الواضحة فرض انعقاد الجلسات، لأنّ المجلس “مش ملك حدا” غير الشعب اللبناني، وانتخاب مرشّحهم، هذا كلّه طبعاً إذا كانت هناك نيّة حقيقية لبناء ما تبقّى من الدولة!
كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:
بات حزب الله وقحاً لدرجة أنه لا يحتكر فقط صفة المقاومة، ويشرّع لنفسه حصراً دور الدفاع عن لبنان، لا بل نصّب نفسه وصياً على أخلاق وآراء ووطنية اللبنانيين الآخرين. ورسّخ معادلة أنّ كره إسرائيل، إذا لم يكن مصدّقاً من مختار طهران، لا يكون كرهاً، بل عمالة وتواطؤاً.
“يسمحلنا فيها” حزب الله، معاداة إسرائيل ليست حكراً على الطائفة الشيعية، وليست امتيازاً لضاحية واحدة من بيروت أو محافظة واحدة من لبنان… لكنّ الفارق أنّ هناك ضواح أخرى من بيروت تحبّ لبنان أكثر من السلاح، ومحافظات تحلم بازدهار لبنان أكثر من هندسة “عماد 4″، وهناك أحلام شباب وشابات يصل مداها أكثر من صواريخ “فجر” و”رعد” و”زلزال”.
لكن المشكلة الحقيقية ليست فقط في حزب الله، وإنما في التيارات والقوى السياسية الأخرى، التي لا تملّ من المناداة بالسيادة والاستقلال و”لا للحرب”، وهي فعلياً مستلقية على منابرها تمارس ردّات الفعل، ولم نشهدها تبادر إلى الفعل وفرض سيناريوهات إنقاذية، فأضعف الإيمان أن تفتح طاقة في جدار الأزمة المفروضة بقوة الأمر الواقع.
وإذا نظرنا واستمعنا جيداً إلى كلام أي سياسي لبناني غير منضوٍ تحت راية المحور، سيتّضح لنا مباشرة أن سلاح حزب الله يجرّ لبنان إلى أزمات وويلات وحروب لا قدرة لهذا الوطن على احتمالها. وإذا ما اعتبرنا أن هذا الكلام صحيح ودقيق، فلماذا لا تغتنم هذه القوى “السيادية” لحظة استهتار حزب الله بمصير لبنان، وانغماسه بمعارك متهوّرة مع إسرائيل، وتبادر في أقل تقدير إلى انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا الكلام لا ينمّ بأي شكل من الأشكال عن نيّة لطعن فصيل لبناني بالظهر، ولا لخدمة إسرائيل بطبيعة الحال.
وإذا كان حزب الله لا يخجل بمعاركه وقراراته التي تعرّض البلد بأكمله لخطر حرب مدمّرة، فلماذا يا ترى لا تتخلّى القوى “السيادية” قليلاُ عن عنفوانها السياسي، وتتحالف من أجل تجنيب البلد ثمن رعونة الحزب.
والأرقام هي وحدها التي تتكلّم، حتى وإن كان الكلام عنها ساذجاً وبريئاً بعض الشيء… لكن ما على المواطن إلّا أن “يلحق الكذّاب على باب البرلمان”. ومجرّد النظر إلى خريطة البرلمان اللبناني الحالي يمكن أن يحمل حلّاً ممكناً، هذا بالطبع إذا كانت هناك نيّة فعلية لإنقاذ البلد وليست مجرد كذب ودجل على الناس.
وإذا ما جمعنا عدد مقاعد القوى السيادية المعادية تماماً لسياسة الحزب، مثل القوات (19) والكتائب (5) والمستقبل (6) والأحرار (1) والمستقلّون (13) وقوى التغيير (15) وحركة الاستقلال (2)، يكون لدينا مجموع 61 نائباً.
ووفقاً للمواد (34) و(49) و(70) من الدستور اللبناني، وبغض النظر عن كل الاجتهادات والتفسيرات القانونية، فبات من المؤكّد أن الدورة الأولى من انتخاب رئيس للجمهورية لا تلتئم سوى بحضور ثلثي الأعضاء، أي 86 نائباً واقتراعهم على إسم الرئيس، وفي حال تعذّر ذلك، يكفي في الدورات اللاحقة حضور الأكثرية المطلقة، أي 65 نائباً واقتراعهم جميعاً لإسم واحد، فيصبح بحكم الدستور رئيساً للجمهورية.
وبذلك تكون القوى “السيادية” بحاجة إلى 4 أسماء أخرى حتى تمتلك الشرعية الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية. ويمكن الحصول على هذا الأسماء الأربعة من عدة مصادر وقوى أخرى. وعلى سبيل المثال، خسر التيار الوطني الحر 4 نواب خلال العامين الماضيين بعد خروجهم من تكتّل لبناني القوي، وهم: الان عون” الياس بو صعب، سيمون أبي رميا، وإبراهيم كنعان، فلا شك في أنه يمكن إقناع إسم أو أكثر من بينهم بضم صوتهم إلى القوى السيادية. ومن جهة أخرى، يمكن احتساب إسم أو أكثر، على حسب “فتلة” وليد جنبلاط، من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يضمّ 9 نوّاب في البرلمان.
باختصار شديد، يستطيع النوّاب الحريصون على عدم جرّ لبنان إلى حروب إقليمية لا قوة لدينا على تحمّلها، أن يتحالفوا ويتبنّوا خطاباً واضحاً يضمن التفاف 65 نائباً حول إسم مرشّح حقيقي لرئاسة الجمهورية، ويستطيعون بالطرق القانونية والبرلمانية الواضحة فرض إنعقاد الجلسات، لأن المجلس “مش ملك حدا” غير الشعب اللبناني، وانتخاب مرشّحهم، هذا كلّه طبعاً إذا كانت هناك نيّة حقيقية لبناء ما تبقّى من الدولة.
وإذا كانوا سياديين حقيقيين، ويعتبرون أن مغامرات حزب الله ليست لبنانية، بل فعلياً إيرانية توسّعية لا تخدم مصلحة لبنان لا من قريب ولا من بعيد… فلا خجل عندها من اغتنام فرصة تقدّمها إسرائيل عن غير قصد بالتأكيد، وانغماس حزب الله في معاركه الخاصة، وتلهّيه “غصباً عنه” بما يدور في الجنوب، والمبادرة إلى فتح معركة برلمانية محقّة تكون أولى خطواتها انتخاب رئيس للجمهورية، وتليها معارك أخرى تعيد الحياة إلى مؤسسات الدولة والقوى الأمنية الشرعية والجيش، وتنعش الاقتصاد، وتوفّر الكهرباء والماء والدواء… وتعيد الحياة، بالقوة، إلى بلد “يقيس ضغطه” على مكنة ضغط حزب الله ويجري فحوصات دمّه في مختبرات طهران.
وأي كلام غير ذلك هو ليس أكثر من ذرّ رماد في عيون “الناس المعتّرة” التي مرّ عليها الكثير في السنوات الأربعة الماضية، وما عادت تمتلك أعصاباً أو قدرة على مزيد من الأزمات، خاصة إذا كانت حرباً مدمّرة تقضي على نفس أخير اختزنوه ربما لموت قريب أو مرض حبيب، أو أي ألم طبيعي لا مفرّ منه، مثلهم مثل بقية البشر على هذا الكوكب.
مواضيع مماثلة للكاتب:
نعيماً يا قاسم! | صدفة تجمع إيلي صعب وعلي خامنئي | حزب الله… “سلّملي عليه”! |