النفاق الاستراتيجي
أسست طهران فيلق القدس، الذي لم يشارك في معركة واحدة لتحرير القدس، ذلك على الرغم من موجات البرق والرعد، في الخطاب التعبوي لقادة الحرس الثوري، التي أنذرت إسرائيل بمحو تل أبيب في سبع دقائق. تلك هي استراتيجية النفاق والمزايدة، التي تعتمدها طهران، التي تحارب بأذرعتها، وتبقى داخل حدودها آمنة، إلا من بعض اغتيالات، ترد عليها بحفلات الألعاب النارية
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
ليس هناك من هو أبرع من إيران، في ممارسة استراتيجيا النفاق في العلاقات الدولية، وليس هناك أوضح من العلاقة الأميركية الإيرانية، لتأكيد مشهد النفاق المتبادل، الذي عززته أساليب الدبلوماسية، بحيث أصبح عرفاً ثابتاً منذ العام 1979، تاريخ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث نجح الإمام الخميني من منفاه الفرنسي، بخلع الشاه، والقدوم في رحلة مشهودة مباشرة، عبر طائرة إير فرانس إلى مطار طهران، فيما كانت واشنطن تنصح بل وتطلب من الشاه التنحي، ومغادرة طهران، كي يسهل الأمر للنظام الإيراني.
لا يعني ما سبق، أنّ مؤامرة دبرت في ليل، ونفذت بحذافيرها على طريقة الأفلام الهوليودية، بل يترجم تلاقي مصالح طويل الأمد بين نظام الملالي، والولايات المتحدة الأميركية، تم احترامه بدقة استثنائية حتى في عز التراشق الإعلامي، ونشر الأوصاف المفخمة، كما فعل الخميني عندما نعت أميركا بأنّها الشيطان الأكبر.
في عز أزمة الرهائن في السفارة الأميركية في طهران، في ولاية كارتر، كانت الخطوط مفتوحة على مصراعيها، ولاعبت طهران أميركا بنعومة وخشونة، لكنها لم تصطدم يوماً اصطداماً حقيقياً بها.
عندما احتاجت طهران للسلاح في حربها مع العراق، لم تتردد في ترتيب صفقة سلاح، عبرت مباشرة بالطائرات من المطارات الإسرائيلية إلى المطارات الإيرانية، كذلك لم تتردد طهران في محاولة ضرب مفاعل العراق النووي، بمساعدة استخبارية من أميركا وإسرائيل، ذلك قبل قيام إسرائيل بتوجيه الضربة القاضية للمشروع النووي العراقي في العام 1981 .
أسست طهران فيلق القدس، الذي لم يشارك في معركة واحدة لتحرير القدس، ذلك على الرغم من موجات البرق والرعد، في الخطاب التعبوي لقادة الحرس الثوري، التي أنذرت إسرائيل بمحو تل أبيب في سبع دقائق.
على كل متابع لمعادلة تبادل المصالح هذه، أن يعود لشهادة جاك سترو وزير خارجية بريطانيا السابق، الذي تكلم عن التواطؤ المفضوح بالوقائع.
أما حديثاً، فيفترض العودة إلى مقابلة للإعلامي العربي عماد الدين أديب، وهو يفند كيف أنّ طهران بعلاقتها بالصين وروسيا، لم ولن تراهن، إلا على بناء معادلة مع الولايات المتحدة الاميركية. قفا إيران للصين وروسيا، أما وجهها، فتديره دائماً لأميركا.
وحديثاً أيضاً، يجدر بكل متابع أن يشاهد المناظرة المفيدة، بين الوزير الأردني السابق سميح المعايطة، ومحلل إيراني. في هذه المداخلة يزايد المحلل الإيراني على المعايطة، طالباً فتح الحدود الأردنية للقتال بوجه إسرائيل. المعايطة يرد بجملة واضحة: الجيش الإيراني حدوده مفتوحة إلى الجولان ولبنان، لماذا لا يأتي ويشارك في القتال ضد إسرائيل؟ طبعاً كان جواب المحلل الإيراني الصمت، وهو صمت ناتج عن استراتيجيا النفاق والمزايدة، التي تعتمدها طهران، التي تحارب بأذرعتها، وتبقى داخل حدودها آمنة، إلا من بعض اغتيالات، ترد عليها بحفلات الألعاب النارية.
إنه النفاق الاستراتيجي الذي أثبت جدواه منذ العام 1979 وإلى اليوم، وقد شهد لبنان الجولة الأخيرة التي لم تكن بعيدة عن الهندسة الأميركية الإيرانية، هذا فيما كانت سحب الدخان تتصاعد من غزة، في مشهد محزن لم تشمله هندسات النفاق بعطفها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لكل 17 أياره: استسلام الممانعة | تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة |