دقت ساعة الأوبئة!
ترجمة “هنا لبنان”
كتب Alain E. Andrea لـ”Ici Beyrouth“:
بين مد الكوارث البيئية وجزر الأزمات الجيوسياسية، يبرز تكاثر الأوبئة كنتيجة حتمية لانهيار التوازنات البيئية.
القرن الحادي والعشرون قرن الأوبئة بامتياز! تلك ليست خرافات ولا إحدى نظريات المؤامرة. الكوكب يعاني. والتوازنات البيئية العظيمة التي دعمت الحياة على سطح الأرض لآلاف السنين، باتت في حالة من الفوضى. وتوضح الكوارث البيئية، من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى ارتفاع منسوب مياه البحار إلى حرائق الغابات الخارجة عن السيطرة، إلى فقدان التنوع البيولوجي المتسارع والمتفشي، التفكك التدريجي للنظم الطبيعية. وتكاد صفحة الإنسان العاقل، وبالتالي البشرية، تلوث بإدراك مفجع: لقد زعزعت الأفعال البشرية نفسها أسس الكوكب. وفاقمت الصراعات الجيوسياسية وعدم المساواة الاقتصادية والثقافة التي تركز على الاستهلاك المفرط والسياسات غير الفعالة وغير المسؤولة (في بعض الأحيان) هذا التدهور، مما يكشف تصادماً بين الطموحات البشرية والحقائق البيئية. وتظهر الأوبئة كنتيجة حتمية في ظل الاضطرابات التي تطبع هذا العصر.
الأوبئة أكثر بثلاث مرات؟
اختبر العالم على مر التاريخ، العديد من الأوبئة المدمرة كطاعون أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، والطاعون الأنطوني في القرن الثاني، وطاعون جستنيان في القرن السادس، والموت الأسود في القرن الرابع عشر، والإنفلونزا الإسبانية في القرن العشرين. ومع ذلك، شهد العقدان الأخيران زيادة كبيرة في عدد الأوبئة واختبر العالم أكثر من جائحة. وتطول قائمة الأوبئة التي عانت منها البشرية مثل الأنفلونزا A (H1N1) في العام 2009، والإيبولا في غرب أفريقيا في العام 2014 وفي كيفو في العام 2019، وجائحة كوفيد-19 في العام 2019، ومؤخرًا جدري القرود في العام 2022، ثم في العام 2024. ومن المرجح أن تتفاقم هذه الظاهرة في المستقبل، حسب العديد من الدراسات العلمية. ووفقاً لتقديرات ماراني وآخرين، التي نُشرت في أغسطس 2021، قد يتضاعف احتمال حدوث أوبئة شديدة ثلاث مرات خلال العقود المقبلة. فما هي الأسباب وراء تفاقم هذا التهديد؟
أوبئة خطيرة
يرتبط الاحتباس الحراري، الآفة الكبرى للعصر، بشكل وثيق بزيادة الأوبئة. فهو يؤثر على مسببات الأمراض (مثل حمى الضنك والشيكونغونيا وزيكا وفيروسات غرب النيل) ويزيد من تسربها من الحيوانات إلى البشر (مثل الزاعجة البيضاء والقراد). وغالباً ما يؤدي ظهور مسببات الأمراض هذه، في المناطق غير الموبوءة، لانتشار الأوبئة. ووفقاً لتحليل في مجلة Nature (أغسطس 2022)، قد تتفاقم 58% من الأمراض المعدية البشرية بسبب التغير المستمر في المناخ. وبالإضافة إلى ذلك، أدت أحداث متطرفة أخرى إلى ظهور الأوبئة أيضًا، ومنها تلوث مصادر مياه الشرب ونزوح المجموعات البشرية والحيوانية. وفي الواقع، تم الإبلاغ عن حالات الكوليرا وشلل الأطفال (كما في غزة حاليًا) في المناطق المتضررة من الكوارث الطبيعية (مثل الزلازل والفيضانات) أو البشرية (مثل الحروب).
العولمة والمقاومة
يثير انتشار الأمراض المعدية مثل الكوليرا والسل والملاريا في مناطق جغرافية واسعة مخاوف صحية كبيرة. ويتفاقم هذا الوضع بسبب ظهور مقاومة الأدوية، وتزايد قدرة البعوض على تحمل المبيدات الحشرية، وعدم كفاية ظروف الصرف الصحي، وبسبب آثار العولمة أيضاً. ووفقا للبنك الدولي، ارتفع إجمالي عدد المسافرين جواً من أقل من مليارين في العام 2000 إلى أكثر من أربعة مليارات في العام 2019، في غضون عقدين من الزمن فقط. ويخلق هذا النمو الهائل في الاتصال العالمي مخاطر جديدة مرتبطة بمسببات الأمراض الناشئة. وتؤكد دراسة إحصائية أميركية نشرت عام 2022 هذه الملاحظة من خلال تسليط الضوء على دور الترابط في شبكات التهوئة في زيادة انتقال الفيروس. وذلك بناءً على البيانات المتعلقة بجائحة كوفيد-19.
الشك العلمي
ويترك تزايد الشكوك وعدم الثقة في العلم تأثيراً مقلقاً على انتشار الأوبئة. ومن خلال التشكيك في التوصيات المستندة إلى أدلة علمية راسخة ورفض استراتيجيات الوقاية القائمة، يمكن تقويض جهود مكافحة تفشي المرض بشكل خطير. ويستمر وباء شلل الأطفال جزئياً بسبب التردد في اللقاح في أجزاء من أفغانستان وباكستان، حيث تم الإبلاغ عن ست حالات جديدة (حتى الآن) في العام 2024. ومع ذلك، حذرت منظمة الصحة العالمية من تطور الوباء المحلي ليصبح جائحة عالمية في حال بقيت معدلات التطعيم منخفضة. علاوة على ذلك، وفقاً لدراسة نشرت في أكتوبر 2021 في مجلة Nature، أدت الشكوك العلمية إلى انخفاض الامتثال لتدابير الاحتواء المرتبطة بكوفيد-19 في الولايات المتحدة، مما فاقم من انتشار الفيروس.
سياسات غير مسؤولة
ومن العوامل المؤثرة أيضا في انتشار الأمراض المعدية عن غير قصد، السياسات العبثية التي قد تصل أحيانًا إلى مستوى اللامسؤولية. فبالنسبة لبعض صناع القرار، الاحتباس الحراري العالمي مجرد أسطورة بسيطة. وهم يرفضون الاعتراف بحقيقة آثاره الضارة والتي لا رجعة فيها على الكوكب، ويرفضون الانخراط في إجراءات ملموسة لمواجهتها. علاوة على ذلك، تظهر اللامبالاة ونقص التدابير المتخذة في مواجهة الأوبئة التي تجتاح البلدان الفقيرة قصر النظر وغياب التضامن على نطاق عالمي. وفي الواقع، يعرض إهمال الصحة العامة في جزء واحد من العالم الكوكب بأكمله لأزمات صحية محتملة. وتشكل أوبئة جدري القرود الحالية مثالاً واضحاً على ذلك. وأخيراً، بمواجهة التوترات الدولية المتصاعدة، لم يكن ينقص الكوكب إلا التهديدات باستخدام الأسلحة البيولوجية. ويمكن في هذا السياق، استخدام بعض العوامل المعدية، كعصيات الجمرة الخبيثة أو يرسينيا بيستيس (البكتيريا المسؤولة عن الطاعون) أو فيروس الجدري، بشكل يهدد البشرية.
أخيراً، يلف الغموض مستقبل البشرية بمواجهة الخطر المحتمل للانفجارات الوبائية. ومن الأهمية بمكان التعاون على مستوى دولي من أجل السيطرة على المخاطر والتخفيف من حدتها.
مواضيع ذات صلة :
“الوباء الكبير” الأكثر فتكا بالبشر يلوح في الأفق.. علماء يحذرون | ليس من الخفافيش ولا الطيور.. من هنا قد يأتي الوباء التالي! | الأبيض: الوضع الوبائي تحت السيطرة |