جعجع يواجه الحقائق بالحقائق
إنّ الحقائق ولو مرة يجب أن تواجه بالحقائق لا بالمهدئات، لا انتخاب رئيس تسوية سوف يكون الحل، ولا تشكيل حكومة الدوحة المكررة، ولا النفاق المصطنع. يجب على اللبنانيين أن يعترفوا أنهم فشلوا ببناء وطن. فشل مستنسخ من الأجيال للأبناء والأحفاد.
كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:
رحلة طويلة من التعثر لم تشهد إلا الهبوط. هذا هو واقع محاولة معالجة المرض العضال بإبر المورفين. قد يكون فارس سعيد الأكثر صدقاً عندما قال: جربنا كل شيء لجذب حزب الله، إلى تفاهم داخلي يحفظ صيغة لبنان ولم ننجح. دفع سعيد ورفاقه ثمن التحالف الرباعي، الذي كان عبارة عن فلسفة مفادها، أنه بعد الخروج السوري من لبنان، يمكن الاتفاق مع الحزب على تفاهم داخلي، فكانت الانتخابات برعاية حكومة نجيب ميقاتي، وكانت نتائجها التي انقلب عليها الحزب، وكان استمرار الاغتيالات، وكان السابع من أيار الذي دفن الطائف، والجميع يعرف الآن، أنّ حزب الله نفذ انقلاباً مضاداً طويل الأمد، ولم يبقَ من الجمهورية إلّا هيكل متداعٍ.
صدق فارس سعيد عندما قال، جربنا كل شيء مع حزب الله، لكنه وعلى الرغم من ذلك، لا زال يحلم بمواجهة المرض العضال، بحبة أسبرين. وهو عندما يغالي في رومانسية المواجهة، يعترف ضمناً أنه يتعرض للقضم في لاسا وجوارها، ولا يستبعد أن تصل الموس إلى قرطبا.
ليس بالشعر وحده يحيا الإنسان، ولا بالنثر تخاض السياسة، بل بالوقائع والأرقام والحقائق.هناك فئة مسلحة هي امتداد لمشروع إقليمي طامح وطويل الأمد، تحظى بدعم شبه مطلق من بيئتها الحاضنة، التي تجدد لها في الصناديق، حتى حدود الإقفال الطائفي، وهي تحظى بغطاء إيراني، يتكئ على تفاهم ضمني مع القوة الأكبر، أي الولايات المتحدة الأميركية. هذه القوة حولت الطائف إلى أنقاض والدستور إلى وجهة نظر، وهي اليوم تحدد من يكون رئيساً للجمهورية ومن يكون رئيساً للحكومة، وكيف تشكل الحكومة.
هذه القوة المسلحة تسيطر على الدولة المركزية، وتوزع المغانم على طبقة سياسية تشكل غطاء لها، من كيس وصندوق الدولة المركزية، وطوال عشرات السنوات، استمرت الدولة المركزية في دفع أكلاف مشروع إيران، لا بل كانت دعامة للمشروع الإيراني، ببعده الداخلي الثأري والتوسعي، وببعده الإقليمي الذي يوظف هذه الدولة، لتعزيز نفوذه وسيطرته على المنطقة.
عندما يبق سمير جعجع البحصة، ويزيح الستار عن فوبيا تعديل الدستور، فهو يطلق العنان لمرحلة جديدة، عنوانها مواجهة الحقائق بالحقائق، لا بأبيات الشعر، ولا بالمبالغات اللغوية، التي تستبطن الكثير من الانفصال عن الواقع.
إذا كان لبنان الكبير قد عاش على وقع معادلة الانتقال بين كل هدنة وهدنة إلى حرب ساخنة أو باردة، فإنّ الحقائق ولو مرة يجب أن تواجه بالحقائق لا بالمهدئات. لا انتخاب رئيس تسوية سوف يكون الحل ، ولا تشكيل حكومة الدوحة المكررة، ولا النفاق المصطنع.
يجب على اللبنانيين أن يعترفوا أنهم فشلوا ببناء وطن. فشل مستنسخ من الأجيال للأبناء والأحفاد.
لذلك لم يعد ممكناً إذا كان هناك من وقف لهذا الاستنزاف المكلف والعبثي إلا قول الحقيقة كما هي. عارية صادقة وهذه ربما تصلح لأن تكون البداية.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لكل 17 أياره: استسلام الممانعة | تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | لبنان على موعد مع أشهر صعبة |