لماذا لا يطالب الموارنة بما هو أهمّ من رئاسة الجمهورية؟


خاص 13 أيلول, 2024

ماذا يفعل الموارنة برئاسة الجمهورية إذا لم يبقَ موارنة في الجمهورية؟ وماذا تنفع كل خطاباتهم ومعاركهم واستماتتهم على الرئاسة، فيما قراهم ومدنهم ودوائر انتخاباتهم مشلولة بالإهمال وفارغة من السياحة وجائعة لمشروع إنمائي وعطشى لجامعة ومستشفى ومدرسة محترمة؟

كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:

الغباء والطمع والكذب والحقد والغرور، كلها صفات يمكن لصقها بأداء الموارنة السياسي والديني والاجتماعي، ولكن ليس هناك ضرورة للدخول في الشخصي، وإنما هناك حاجة ملحّة لقول الأمور كما هي، ولو لمرّة واحدة، دون الاستعانة بيوحنا مارون و1400 سنة من المقاومة والصمود وتراب الأرز ومجد لبنان وقراص الكبّة وغيرها من البهارات الخطابية التي لم تعد تضيف نكهة إلى طبخة مارونية محترقة.

بات القسم الأكبر من الموارنة يشعرون بالملل من أمجاد الماضي وهم يعيشون في حاضر حقير وضعيف لم يفرضه أحد عليهم، بل هم فرضوه على أنفسهم. ومجرّد اختصار الوجود الماروني برئاسة الجمهورية هو أكبر كذبة يجبروننا على تصديقها، فيما الحقيقة تتألّم في مكان آخر.

وإذا كنّا نريد أن نعرف أين تتألّم الحقيقة، تعالوا ننزل عن المنابر السياسية والكنسية وندخل قرى وأحياء ومنازل الموارنة حيث يسير واقعهم جنب الحائط، خائفاً وضعيفاً وفي يده جواز سفره أو ورقة نعوته.

تعالوا نبدأ من عرين الموارنة وحارس وادي القديسين، قضاء بشري (بالإذن من زغرتا وزحلة وجزين)، حيث سُجلّت أدنى نسبة ولادات في لبنان، وهذا طبعاً ليس بسبب عقم مفاجئ أصاب الأهالي أو بسبب شحنة مساعدات من الواقيات الذكرية أو حبوب منع الحمل المجانية، بل بسبب خطابات منع الوعي السياسية التي أصابت هذا القضاء بالشيخوخة المبكرة بسبب نسب هجرة الشباب المرتفعة، وخوف من بقي منهم من الإنجاب لعدم توفّر الاستقرار الاقتصادي وغياب الخطط الإنقاذية الزراعية والإنمائية التي تضمن استمرارهم وازدهارهم. ومثل بشري، كذلك قضاء المتن وكسروان وصولاً إلى البترون. غريب كيف أن هذه المناطق التي تعتبر نفسها مارونية، هي الأكثر إحباطاً بين كل الأقضية اللبنانية، وأهلها الأكثر خوفاً من الإنجاب، وأبناؤها الأكثر هجرة. غريب كيف أن هذه الأقضية هي التي تنفش ريشها مثل الديك في المطالب والخطابات، وحقوق أهلها لا تتعدّى حجم حصّة الصوص من الحصاد. والأكثر غرابة أن الزعماء والنوّاب في هذه المناطق بالتحديد هم أكبر المدافعين عن حقوق الموارنة، وأشرس المحاربين على رئاسة الجمهورية، وجميعهم منخرطون في معارك استرداد هيبة الكراسي، كراسٍ تكسّرت على ظهر الموارنة.

وماذا يفعل الموارنة برئاسة الجمهورية إذا لم يبقَ موارنة في الجمهورية… وماذا تنفع كل خطاباتهم ومعاركهم واستماتتهم على الرئاسة، فيما قراهم ومدنهم ودوائر انتخاباتهم مشلولة بالإهمال وفارغة من السياحة وجائعة لمشروع إنمائي وعطشى لجامعة ومستشفى ومدرسة محترمة. وماذا تنفع وعودهم لمجتمعات فارغة من طموحات الشباب وأحلامهم وطاقاتهم، ولم يبقَ فيها سوى أمهات تشمّ ما بقي من رائحة ثياب أولادها، وآباء يحرثون أرضاً لا يكفي ثمن محصولها لشراء تذكرة سفر عودة لإبن في الغربة.

وأمّا الكنيسة المارونية، التي يتمختر مقرّها بين الديمان وبكركي، هي الأخرى مشغولة بمعارك رئاسة الجمهورية فيما يتساقط أبناؤها شهداء على ساحات أقساط المدارس والجامعات الكاثوليكية، وفي أروقة فواتير مستشفيات الرهبنات، ولا يجدون في كنائسهم سوى كراسي الاعتراف، يبكون فيها من قلّة خطيئتهم وكثرة أقساطهم وحجم وجعهم.

وكما المرجعيات السياسية، تواظب البطريركية المارونية على خوض معارك وهمية، والكنيسة بكل عظمتها وسلطتها لا تكون كنيسة بلا أولادها، وحجمها ودورها مرتبطان مباشرة بعدد المصلّين فيها والتابعين لها. ومجرّد زيارة في صباح يوم أحد إلى أي كنيسة من المتن إلى كسروان إلى أقضية الشمال، تفضح مدى تراجع أعداد المصلّين، ليس بسبب بعدهم عن القداديس والواجبات الدينية أبداً، بل بسبب قلّة عددهم بعد كل من هرب إلى وظيفة في الخليج أو حياة جديدة في كندا وأستراليا. وحري بالبطريركية المارونية ألا تحارب من أجل رئاسة الجمهورية، بل أن تحارب غباء وجهل وأنانية الزعماء الموارنة من أجل أبنائها. حريّ بالبطريركية المارونية أن تقلب الطاولة على هؤلاء المحدودين بمطامعهم الشخصية والحزبية الضيّقة، وأن تحارب بثرواتها ومقدراتها ومدارسها وجامعاتها ومستشفياتها ومؤسساتها من أجل زيادة نسب الولادات في القرى المارونية، والمحافظة على ما بقي من كرامة في جيوب أهلها قبل أن تلتهمها أقساط مدارس وفواتير مستشفيات تنضوي تحت إسم الكنيسة… فمن يعلم، ربما سيخرج من رحم أمّ هناك مطانيوس أو شربل أو جوزف صغير، يصبح يوماً ما رئيساً لجمهورية بقي فيها ماروني واحد.

وفيما ينام الموارنة على وسادة الخطابات السياسية والدينية، ويحلمون بوعود المجد وقصر بعبدا والدور الوطني الواسع، تكاد لا تمرّ ليلة واحدة لا يقفزون فيها من سريرهم بعد كابوس رفض طلب تأشيرتهم هرباً من جمهورية لا تنفعهم الرئاسة فيها بشيء.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us