فليأكلوا الكعك!

ترجمة هنا لبنان 12 أيلول, 2024

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth“:

من لم يسبق له أن سمع بمقولة “فليأكلوا الكعك!” الشهيرة والتي نسبت (دون دليل مثبت) لملكة فرنسا ماري أنطوانيت؟ تمحور السياق حينها حول عجز الشعب عن العثور على كسرة خبز إبان الثورة الفرنسية.

ولهذا السياق صداه في الساحة اللبنانية اليوم، حيث يكاد العسكريون المتقاعدون منذ سنين يسمعون عبارة “فليأكلوا الكعك!”، كلما تكررت عودتهم إلى الشارع للمطالبة بكسرة من الكرامة.. لقد عاد هؤلاء، ضباطاً وجنود، الثلاثاء ليرفعوا صوت مطالبهم. في الشارع، يتسلل إلى قلوب المتجولين بين تلك القامات، شعور يجمع بين الغضب والخجل.. أليست مطالبهم عادلة ومحقة؟ وأليس الجيش اللبناني المؤسسة الوحيدة التي استطاعت أن تحفظ كرامتها؟ لم يوفر قائد الجيش، العماد جوزيف عون، أي جهد لضمان حياة كريمة لرجاله وطلب العون من الدول الصديقة. ذلك أنه يدرك أن هؤلاء العسكريين أنفسهم كرسوا حياتهم للدفاع ولإعانة ولطمأنة شعب أثقلته صفعات قادته. وكيف قوبلت كل تلك الجهود والتضحيات؟ ها هي المكافأة المنتظرة بعد سنين طويلة.. العسكريون المتقاعدون في الشارع، يتوسلون الحد الأدنى من الحياة..

لم يسبق في تاريخ بلد ما أن أخذت حركة احتجاج هذا القدر من الوقت! المظاهرات تتكرر ولا حياة لمن تنادي! قلما يبالي الحكام بمعاناة هؤلاء الرجال. ومع ذلك، خلافاً لسواهم، لا تكسر وحدة العسكريين المتقاعدين أي خيبات! كما لا تتلاءم عبارة الجنود “القدامى” أو “السابقين” مع ولائهم المتجذر.. في الجيش اللبناني، لا ينتهي الولاء عند التقاعد من المؤسسة.. حين تنضم لهذه المؤسسة، تنبت لك جذور لا يقطعها الزمن وتبقى عسكرياً أو ضابطاً مدى الحياة..

تستحضرني هذه الصور وأنا أستعيد ذكرى عميد سابق غادر الحياة قبل بضعة أشهر. بالنسبة له، الجيش يسري بالدم.. وهو الذي اعتاد أن يردد على الدوام حتى بعد التقاعد: “نحن العسكر” و”عنا بالجيش”. وهو الذي كان يستفيض بالكلام عن الرفاق في الدفعة والرابط الأخوي والعاطفة المتبادلة.. لقد حمل هذا الرجل مشاعر الشرف والصدق والإستقامة من المؤسسة، وخبأها عميقاً في قلوب أبنائه وأحفاده. ورسخ لديهم ذلك الشعور بالواجب ولم ينفك يذكّرهم بأن كل تلك القيم الإنسانية العظيمة هي جوهر الدروس التي نتعلمها أثناء خدمتنا لبلدنا.. في صفوف الجيش اللبناني.

لقد روى الكثير الكثير عن “حربه”.. وعن عبثية الاقتتال، وعن إصراره على الإعتناء بجنوده على الأرض. لقد صوّر الجيش الذي يجمع في الزي العكسري الموحد كل ألوان الوطن بغض النظر عن الطوائف.. أحبّ هذا الرجل الجنرال ديغول وبجّله وكم تمنى لو أن السماء تنعم على اللبنانيين بمثيله.. نطق لسانه بلغات ثلاث وكرس أيامه للعمل وللرياضة ولأسلوب حياة لا تشوبه شائبة.. وكلما سألناه لم لا يرتاح كما ينبغي له، كانت تصدح من فمه “وَلَو”.. أنا عسكري وأنهل الاحترام من هذه الرسالة!

بينما طوت الحياة صفحاته الأخيرة، وجد نفسه مقيداً بين جدران العناية المركزة لمدة شهرين.. عاده ذات يوم شاب في غرفة مجاورة وألقى عليه التحية متنبها: “احترامي عميد!”. حينها فقط، تحركت ذراعه للمرة الأولى منذ أسابيع.. وردّ التحية العسكرية دون أن ينبس ببنت شفة. تلك كانت لفتته الأخيرة. وجّه التحية وأسلم الروح بعد ثلاث ساعات. غادر ميدان الحياة كأي جندي شجاع! ذلك هو والدي.. العميد إلياس صيقلي.

كان ليريد أن أختم المقال برفع الصوت مع كل الرفاق.. فهلمّ بنا!.. “ارفعوا أيديكم، لا تؤذوا العسكر، بادلوهم بالاحترام الذي يستحقون. عاش الجيش اللبناني! وعاش لبنان!”..

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us