نواف الموسوي.. غلطة الغشيم بمئة ألف!
بقي خيط رفيع جداً معقود على شخصية الموسوي بعد تفضيله عائلته على مركزه، ولكن دارت الأيام وانقطع الخيط نهائياً بعدما سمعناه يسخر من موت رئيس للجمهورية، ويهدّد بقتل أيّ شخص يحلم بالوصول إلى قصر بعبدا بلا موافقة المقاومة
كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:
هناك أسرار لا يعرفها نواف الموسوي شخصياً، ولا حتى حزب الله بكل ما لديه من قوّة، وهذه مناسبة للكشف عن سرّ من هذه الأسرار، حتى لو كان لن يعجب البعض، أو حتى الكثيرين، من المناهضين لسياسة المقاومة ونهجها في لبنان.
وهذا السرّ تبدأ أولى خيوطه منذ ما قبل الانتخابات البرلمانية عام 2009 عندما انتُخب نواف الموسوي نائباً، وتحديداً في العديد من المقابلات التلفزيونية التي كان يظهر فيها بصورة الرجل الجنوبي المقاوم الذي يتمتّع بثقافة عالية، والمتكلّم الماهر الذي لا تنقصه لا الكاريزما ولا قوة الشخصية لمواجهة أيّ سؤال أو طرح في الحلقات التلفزيونية… وهذه الصفات تحديداً في شخص نواف الموسوي، جعلته شخصية محبّبة ليس فقط لدى جمهور المقاومة، ولكن أيضاً لدى شريحة واسعة من الشباب الذين يعيشون في مناطق نفوذ “اليمين اللبناني”، وأنا واحد منهم.
وأذكر جيداً أنّ نواف الموسوي كانت لديه هذه القدرة على جذبنا، وكنّا نناقش كلامه ومنطقه وسرده لأفكاره فيما بيننا، (وهنا السرّ) حتى أصبحنا معجبين بهذه الشخصية، وبدأت في مرحلة معيّنة، وبسبب نواف الموسوي حصراً، تتكوّن لدينا فكرة مغايرة عن حزب الله والمقاومة، لدرجة أننا بدأنا نتماهى أكثر مع هذا “الفكر الآخر” الذي وصل إلينا عبر هذه الشخصية المثيرة للإعجاب. وكنّا نجاهر بإعجابنا بشخصية نواف الموسوي في مجالسنا، حتى وإن كان ذلك على حساب علاقتنا ببعض الناس، وبدأنا بسببه نجد المبرّرات لحزب الله في بعض التجاوزات والتمادي في التعاطي مع كثير من المشاكل الداخلية اللبنانية.
هل كنّا أبرياء في قراءتنا السياسية، ربما، ولكن في عام 2019، عندما حصل الإشكال بين ابنته وطليقها، وأدّى في نهاية المطاف إلى إعلان استقالته من مجلس النوّاب، وقوله جملته الشهيرة: “فضّلت أن أكون أباً وليس نائباً”، عاد وتجذّر إعجابنا بشخصية نواف الموسوي ولكن ليس بحزب الله، لأننا كنّا قد ابتعدنا كثيراً عن فكر الحزب الإلغائي والمتسلّط والمفرّط بمؤسساتنا وجيشنا ودولتنا، ولم يعد لا نواف الموسوي ولا غيره قادراً على إقناعنا بصوابية أفعال الحزب… ولكن كان قد بقي خيط رفيع جداً معقود على شخصية الموسوي، خاصة بعد تفضيله عائلته على مركزه.
دارت الأيام، وانقطع الخيط نهائياً، ونحن الذين كنّا نجاهر بإعجابنا، بتنا نخجل من كل لحظة وموقف عبّرنا فيه عن رأي إيجابي بنوّاف الموسوي. لم نخجل فقط، بل شعرنا بالإشمئزاز أولاً وبالخديعة ثانية بعد أن سمعنا هذا الذي كنّا من معجبيه يوماً، يسخر من موت رئيس للجمهورية، ويهدّد بالفم الملآن، الفم نفسه الذي كنا نصغي إليه، يهدّد بقتل أي شخص يحلم بالوصول إلى قصر بعبدا بلا موافقة المقاومة.
هل فعلاً هذا هو نواف نفسه الذي عرفناه؟ هل تغيّر؟ هل نحن تغيّرنا؟
يبدو أنّ شيئاً لم يتغيّر، بل الذي حصل هو أنّ النوايا السيئة التي كانت مخبّأة خلف لسان معسول وكلام مدروس قد انفضحت، وبانت طينة الموسوي الحقيقية التي نعترف أننا كنّا أبرياء لدرجة منعتنا من رؤيتها بوضوح.
فهل هذا العقل المقاوم الذي كان قادراً على تجنيد الرأي العام غير الشيعي والجنوبي في صفوف المقاومة، هو نفسه العقل الذي يهدّد الناس بالقتل جهارة وبلا حياء؟
الأسئلة تكفي الآن، وهناك حاجة للأجوبة، خاصة بعد سقوط آخر عقل موزون في حزب الله في “مجارير” الكراهية والطائفية، وأصبح لا يفكّر أكثر من أي مسلّح يستقوي ببندقيته وقنابله دون الحاجة إلى استخدام الكلام أو المنطق. فحتى لو كان لدى نواف الموسوي ومعه حزب الله معطيات استخبارية بمؤامرة داخلية وانقلاب وحرب أهلية وقنابل نووية وكيماوية، لا يحقّ لأي “أب”، قبل أن يكون نائباً أو مسؤولاً، أن يتحدّث بمسؤولية قليلة على شخص غشيم.
لكن الواضح أنّ حزب الله مأزوم للغاية، ومهما ارتفع صوت الخطابات والتهديدات، ومهما ارتفع الإصبع على الشاشات، هناك أزمة داخلية فعلية وكبيرة لدرجة أنّ نواف الموسوي حتى بات مضطراً أن يفضح نواياه الحقيقية، ويكفّ عن الاختباء خلف تلك الشخصية التي ظهر بها لسنوات طويلة. وإلّا، ما حاجة القوي إلى الانحدار إلى هذا المستوى من الخطاب، وفتح جراحات الماضي، واستخدام منطق الاغتيال والاستعلاء، إلّا إذا كان يشعر بعكس ما يظهره للعلن.
فإذا كانت “غلطة الشاطر بألف” فإنّ “غلطة الغشيم بمئة ألف” مقاتل وصاروخ.
مواضيع مماثلة للكاتب:
نعيماً يا قاسم! | صدفة تجمع إيلي صعب وعلي خامنئي | حزب الله… “سلّملي عليه”! |