انتصار ايران الافتراضي
كتب موفق حرب في “ديلي ستار”:
كان الرئيس جوزيف بايدن أسرع من الرئيس السابق دونالد ترامب في الوفاء بتعهده الذي أعلنه في حملته الانتخابية وذلك بإطلاق عملية إعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) وذلك قبل أن يكمل المائة يوم الأولى له في منصبه.
ففي 18 شباط، ألغت إدارة بايدن إعادة ترامب لعقوبات الأمم المتحدة على إيران ووافقت على الانضمام إلى شركائها الأوروبيين في محادثات مباشرة مع طهران.
وتبدو هذه الخطوة أسرع مراجعة للسياسة في التاريخ الحديث من قبل إدارة جديدة في ما يتعلق بقضية معقدة، ما يشير إلى أن الإدارة الجديدة كانت قد اتخذت قرارها سابقاً، وكل ما عليها فعله الآن هو اتخاذ قرار بشأن خطة عمل من شأنها أن تؤدي إلى إعادة الولايات المتحدة إلى العلبة في الصفقة الإيرانية والبرنامج النووي الإيراني.
لا شك أنه في عهد ترامب كانت إيران في موقف دفاعي. فالعقوبات ضد طهران دفعت اقتصاد البلاد إلى حافة الانهيار، لكن على الرغم من أن إيران عانت في السنوات الأربع الماضية من عدة انتكاسات إلا أنها لم تتنازل عن أي إنجاز إقليمي حققته منذ توقيع (خطة العمل الشاملة المشتركة).
من الصعب تقييم جدوى سياسة الإدارة السابقة تجاه طهران مقابل التغيير في البيت الأبيض لأنه لم تتح الفرصة للسياسة الصارمة ضد إيران الوصول إلى نتيجة أو حتى إلى إعلان فشلها وفي هذا الإطار ينتقد مؤيدو السياسة المتشددة بأنه تم إيقاف العقوبات قبل أن تؤتي ثمارها.
ليس من الواضح ما إذا كان تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يتلق مكالمة من بايدن في وقت مبكر،وتعليق مبيعات الأسلحة وتوجيه انتقادات مبطنة للإمارات وللسعودية، يهدفان إلى إسكات أي معارضة علنية متوقعة لنية الإدارة إعادة الانضمام إلى صفقة إيران. سواء كان ذلك عن قصد أم لا، فقد نجحت. لأنه مقارنة بالمعارضة الشرسة من قبل إسرائيل والمملكة العربية السعودية في العام 2015، فقد جاء رد الفعل هذه المرة خافتًا تجاه الانضمام إلى مناقشات مفتوحة مع إيران. حتى الكونغرس الأميركي ولا سيما مجلس الشيوخ المنقسم بالتساوي، الذي لا يزال يعاني من محاكمة عزل ترامب ، لم يتحرك ضد نوايا الإدارة.
في العام 1990، دفع لبنان ثمن استرضاء الرئيس السوري حافظ الأسد بعد الغزو العراقي للكويت وإطلاق عملية السلام العربية الإسرائيلية. كانت استعانة لبنان بمصادر دعم خارجية (أي الأسد) مبررة في ذلك الوقت على أنه ضرورة لإنهاء الحرب الأهلية وتحقيق الاستقرار في لبنان، لكن من خلال مقايضة الاستقرار بالسيادة انتهى الأمر بلبنان من دون تحقيق أي منهما! لكن المخاوف اليوم من تعرض استقلال لبنان السياسي للخطر لإرضاء إيران لها ما يبررها أيضاً.
على الرغم من العقوبات الصارمة والاغتيالات المستهدِفة كبار علمائه النوويين وقادته العسكريين، فالنظام في إيران رفض التنازل عن أي مكاسب حققها بعد الاتفاق النووي الإيراني. ومع ذلك، فإن نفوذ إيران في اليمن يعتبر من قبل الكثيرين في الغرب مبالغًا فيه ولن يدوم في وقت السلم. وفي العراق، يتزايد تحدي العراقيين لنفوذ إيران، لكنها تحتفظ بنفوذ كافٍ لتعطيل أي حكومة مستقبلية مناهضة لها. أما في سوريا، فنفوذ إيران يوازنه الوجود العسكري الروسي ، ويتعيّن على طهران أن تجد أرضية مشتركة مع مصالح موسكو. المكان الوحيد الذي تشعر فيه إيران بالثقة في نفوذها هو لبنان وذلك بسبب “حزبُ الله” ، الذي أثبت ولاءه لإيران وقدم لطهران قاعدة متقدمة على البحر المتوسط ووجودًا فعّالاً على الحدود مع إسرائيل. بذلك أصبح “حزب الله” بالنسبة لإيران مثلما كان عليه المستشارون الكوبيون بالنسبة إلى موسكو في ظل الحكم الشيوعي.
الآن، ومع إبداء كلا المعسكرين رغبتهما في العودة إلى المحادثات النووية، من المتوقع أن تبدأ المفاوضات الشاقة في القريب العاجل، مع قيام جميع الأطراف بوضع أوراق التفاوض الخاصة بهم على الطاولة. تحتفل طهران بقدرتها على الصمود أمام العقوبات الاقتصادية القاسية وهي في حاجة ماسة للفوز ومُطالبة فيه لاستعادة الروح المعنوية العامة قبل أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية. سيكون اليمن والعراق ولبنان وسوريا أماكن تريد إيران فيها استعراض عضلاتها ولكن دون خلق عداوة مع البيت الأبيض. قد تكون مرحلة النصر الافتراضية كافية لإعادة الروح المعنوية لإيران, وهذا بالضبط ما تفعله طهران.
بكل الأحوال فللبنان مكانة مختلفة في الاستراتيجية الإيرانية، ومحاولة الضغط على إيران في لبنان قد تضر بالاستقرار في بلد ضعيف أساساً، لكن التنازل عن لبنان لإيران قد تكون له عواقب وخيمة. لبنان مكان استثمرت فيه إيران مليارات الدولارات، وطهران ليست على استعداد لتقديم تنازلات بهذا الخصوص. من المؤكد أن هذا سينعكس على الاستقرار السياسي في البلاد التي لا تزال تكافح لتشكيل حكومة جديدة والبدء في معالجة أزمتها الاقتصادية.
يتعين على واشنطن وحلفائها الأوروبيين تحديد القيمة الاستراتيجية للبنان أثناء مراجعة استراتيجيتهم حول كيفية مواجهة منافسة الصين وعدوانية روسيا المتزايدة. لقد أثبتت إيران على مر السنين قدرتها على الإخلال بالعقوبات وتحمّلها، لكنها فشلت فشلاً ذريعًا في تقديم نموذج قابل للتطبيق من الازدهار وإقامة دولة في المنطقة.
المصدر: ديلي ستار
ترجمة “هنا لبنان”
مواضيع ذات صلة :
إيران تلوّح بالنووي.. هل تمتلك هذا السلاح؟ | هل “طار” النووي بعد اتفاق الصين | النووي…”هبّة سخنة هبّة باردة” |