وزير خارجية لبنان أم “الحزب”؟


خاص 23 أيلول, 2024

وزير الخارجية اللبنانية في جلسة مجلس الأمن كان خارج موضوع الجلسة في الخلاصة التي ذهب إليها في كلمته. فبدل أن ينتشل قضية لبنان من لعبة الأمم الدائرة على أرضه، دفع بها إلى مزيد من الارتباط بهذه اللعبة. وهذا ما فعله بالضبط بالربط المحكم بين الجنوب وغزة.

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

تحوّل اللبنانيون إلى متفرجين على ما يمّر به لبنان. ويتقاسم “الفضل” في هذه الحالة طرفان: “حزب الله” والسلطة القائمة بوجهيّها التنفيذي والتشريعي. وخرج هذا الواقع عن أحواله الراهنة بعض الشيء الثلاثاء الماضي عندما فتح لبنان الطبيّ ذراعيّه لملاقاة آلاف الإصابات التي أوقعها تفجير أجهزة المنادة (البيجرز). وضمن هذا المشهد على سبيل المثال لا الحصر ، غرقت منطقة الأشرفية عصر ذلك اليوم في ازدحام مشهود نتيجة الإجراءات لتسهيل وصول المصابين إلى مستشفياتها التي حملتهم إليها سيارات الإسعاف من الضاحية الجنوبية لبيروت.

خارج هذا المشهد اليتيم ، قبع اللبنانيون ولا زالوا منذ أكثر من 11 شهراً في زاوية المراقبة التي فرضها “حزب الله” عليهم تحت طائلة التخوين إن هم سألوا: لماذا فتح “الحزب” جبهة الجنوب في 8 تشرين الأول الماضي؟ أما السلطة التي تتولى زمام الحكم ، فهي قدمت المثل الصالح على تبعيتها لتوجيهات سيد الضاحية. وبلغت هذه التبعية ذروتها في جلسة مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي. وكانت إطلالة وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بوحبيب نموذجاً يحتذيه كل من قرر التبعية للقوة ولو كانت خارج الحق والقانون.

ماذا قال الوزير في كلمته لبنان أمام جلسة مجلس الأمن المخصصة للبحث في الوضع في لبنان والشرق الأوسط؟

على طريقة طارق بن زياد “البحر أمامكم والعدو وراءكم”، خاطب بوحبيب أرفع هيئة دولية قائلا: “الحرب من أمامكم والقرارين 1701 و2735 في أدراج مجلسكم. الخيار لمجلسكم، فهل سيتحرك مجلسكم الكريم بسرعة وحسم، فتقف طبول الحرب التي تدق أبواب الشرق الأوسط بأسره، أم سنبقى متفرجين على تدحرج كرة النار”؟

يفهم العالم ان يحثّ حامل صفة وزير خارجية لبنان على تطبيق القرار 1701 الذي أنهى حرب عام 2006 . لكن ما لا يفهمه هذا العالم عموماً ،ولبنان خصوصاً ، أن يضع بوحبيب هذا القرار في رزمة واحدة مع القرار 2735 الذي أصدره مجلس الأمن في 10 حزيران الماضي وهو بحسب النص يتضمن ترحيب مجلس الأمن “بالاقتراح الجديد لوقف إطلاق النار المُعلن يوم 31 أيار ، الذي قبلت به إسرائيل”. وطالب المجلس “حماس” بقبوله أيضاً، وحث الطرفين على تطبيق بنوده بشكل كامل بدون تأخير أو شروط”.

“شو جاب لجاب”؟ لكن الجواب كما بات واضحاً، أن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله ، ومنذ أن قرر قبل أكثر من 11 شهرًا فتح جبهة المشاغلة في الجنوب لمؤازرة “حماس” في الحرب الدائرة في غزة ، قال عبارة ولا زال يقولها: ” تنتهي المشاغلة في الجنوب عندما تتوقف الحرب في غزة”. وبالطبع لم يردد بوحبيب في كلمته الأخيرة أمام مجلس الأمن حرفياً ما يقوله نصرالله. لكن ما ورد آنفاً من كلمته يؤكد أن بوحبيب قال تماماً ما قاله نصرالله.
كيف كان المشهد في مجلس الأمن الدولي عندما ألقى وزير الخارجية خطبته العصماء؟

في تقرير أوردته “نيويورك تايمز” جاء أنّ أعضاء في مجلس الأمن دعوا إلى إجراء تحقيق في العمليات في لبنان – المنسوبة على نطاق واسع إلى إسرائيل – التي فجرت أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكي لنشطاء “حزب الله” بشكل جماعي، ما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف، من بينهم العديد من الأطفال.

وأثارت طبيعة الهجمات، التي حولت الأشياء العادية إلى أسلحة، ناقوس الخطر وأثارت إدانة واسعة النطاق في الاجتماع.

وقال فولكر تورك ، مفوض حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لأعضاء المجلس:”تمثل هذه الهجمات تطورا جديدا في الحرب ، حيث تصبح أدوات الاتصال أسلحة ، تنفجر في وقت واحد عبر الأسواق ، في زوايا الشوارع وفي المنازل مع تطور الحياة اليومية”. وأضاف أن العمليات أطلقت العنان “للخوف والذعر والرعب على نطاق واسع” بين الناس في لبنان، الذين يخشون الآن من أن أي جهاز قد يكون عرضة للخطر.

وقال السيد تورك: “لا يمكن أن يكون هذا هو الوضع الطبيعي الجديد”، داعيا إلى إجراء تحقيق “مستقل وشفاف وشامل” في الهجمات ومحاسبة الجناة، الذين قال إنهم انتهكوا قواعد الحرب وقانون حقوق الإنسان.

وردد العديد من أعضاء المجلس مشاعره.

وأعربت باسكال بايريسويل ممثلة سويسرا عن “قلقها البالغ” إزاء انفجار الأجهزة ووصفت التطورات بأنها “مقلقة للغاية”. وأضافت أنه “يجب تسليط الضوء على الظروف والمسؤوليات” وأشارت إلى أن “الحرب لها قواعد”.

وبالمثل، قال ممثل الجزائر، عمار بن جامع، الذي دعا إلى الاجتماع، إن الهجمات “غير المسبوقة” فتحت “صندوق باندورا خطير”.

وبدلا من ذلك، ركز البعض في المجلس على دور “حزب الله” في تصعيد التوترات، فضلا عن أدوار داعمي الجماعة في إيران. وقال روبرت وود، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة: “لا يمكن لمجلس الأمن أن يتجاهل أصول هذا الصراع بين إسرائيل و”حزب الله”. وأشار إلى أنه من المتوقع أن تتبع جميع أطراف الصراع القانون الإنساني الدولي، لكنه قال إن “حزب الله” قد حطم الاستقرار في المنطقة عندما بدأ في ضرب الحدود الشمالية لإسرائيل تضامنا مع “حماس” في أعقاب هجوم 7 تشرين الذي أشعل الحرب في غزة.

وتبنى ممثل بريطانيا جيمس كاريوكي نهجا مماثلا. وقال: “شن حزب الله هجوما غير مبرر على إسرائيل في 8 تشرين الأول 2023″، مضيفا أن بريطانيا “حازمة” في “دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها”.

كما ألقى الممثلون البريطانيون والأميركيون باللوم على إيران في تأجيج التوترات في المنطقة من خلال تزويد “حزب الله” بالأسلحة، واتهموا إيران بتقويض آمال الشعب اللبناني في العيش بسلام.

لكن جميع أعضاء المجلس بدوا متحدين بشأن مسألة واحدة، داعين إلى ضبط النفس من جميع المشاركين في الصراع لمنع التصعيد الذي قد يؤدي إلى حرب إقليمية. وقال كاريوكي: “الآن هو الوقت المناسب لتهدئة الرؤوس”.

ما يستفاد من وقائع جلسة مجلس الامن أن وزير الخارجية اللبنانية كان خارج موضوع الجلسة في الخلاصة التي ذهب إليها في كلمته. فبدل أن ينتشل قضية لبنان من لعبة الأمم الدائرة على أرضه، دفع بها إلى مزيد من الارتباط بهذه اللعبة . وهذا ما فعله بالضبط بالربط المحكم بين الجنوب وغزة.

من تداعيات جلسة مجلس الأمن الدولي على ما يبدو، إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، غداة الجلسة تأجيل سفره إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة. لكن بيان ميقاتي حول إرجاء سفره عزا السبب إلى “التطورات المرتبطة بالعدوان الاسرائيلي على لبنان”. وخلص البيان إلى القول :”اتفقت، بعد التشاور والتنسيق مع وزير الخارجية، على عناوين التحرك الديبلوماسي الخارجي الملح في هذه المرحلة”.

كأن ميقاتي أراد القول ، ان وزير الخارجية في حكومته يقوم بواجب التبعية لـ”حزب الله” على أكمل وجه. لذا، لا داعي لأن ينضم إليه في نيويورك حيث هناك انكشاف لأي شبه تبعية كالتي تتميّز بها سلطة الأمر الواقع في لبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us