التكليف فُرضَ على عون… أما التأليف فحُلم للحريري
لا تقتصِر صعوبة تأليف الحكومة على العقد المُتعلّقة بحصص وحقائب وأسماء وزارية، فحسب. أي حكومة، وإن تألفت، فهي محكومة بالفشل، لكون الأزمة الحقيقية هي أزمة ثقة بينَ الرئيسيْن ميشال عون وسعد الحريري. لا بل لكونها أكثر من ذلك، هي أزمة «رفض كل منهما للآخر».
قبل يومٍ واحدٍ من تكليف الحريري تأليف الحكومة بـ٦٥ صوتاً نيابياً، عقد الرئيس ميشال عون مؤتمراً توجّه به إلى القوى السياسية بأن «تفكّر جيداً بآثار التكليف على التأليف وعلى مشاريع الإصلاح ومبادرات الإنقاذ الدوليّة». كانَ واضحاً أن عون لم يستسِغ تسمية الحريري، وإن كانَ التكليف قد فُرضَ عليه، إلا أن التأليف سيكون حُلماً لمَن فرضَ نفسه بحكم الأمر الواقِع، طائفياً ومذهبياً وسياسياً.
ويوم التكليف ثمَة من اعتبر أن تسوية جديدة انطلقت، ورأى في الأجواء بعضَ «إيجابية» كرئيس مجلس النواب نبيه بري. خمسة أشهر من دون القدرة على التوصل لحلّ نهائي. 17 زيارة للحريري إلى بعبدا. أكثر من تشكيلة وصيغة ومبادرة، كلّها سقطت. فهل الإشكالية في العقد؟
هناك سرّ تعلمه كل القوى السياسية المعنية بعملية التأليف. سرّ همسَ به عون وباسيل إلى «المُصلحين» خلال المداولات الحكومية، بأنهما لا يريدان الحريري لتأليف الحكومة. حتى إن باسيل، وفي إحدى جلسات النقاش عن «إصراره على الثلث المعطّل، أجاب بأنه لن يطلُب شيئاً فيما لو استبدلنا الحريري برئيس مكلف آخر».
وفي بعبدا لم يكُن الحال مُختلفاً. يتحدث أحد العارفين عن اجتماع بحث فيه رئيس الجمهورية عن سبُل دفع الحريري إلى الاعتذار. هل من خلال ضغط خارجي، أم محاصرته من الداخل؟ كان هناك شبه إجماع عندَ من التقاهم عون، على أن «الموقف الخارجي من الحريري أفضل بكثير مِن موقفهم منك، فأنت أولاً وأخيراً حليف حزب الله»، لذا «وقَع الاختيار على القضاء، والتهديد بفتح ملفات فساد تطال الحريري ومقرّبين منه».
وقد خرج هذا البحث في ما بعد من الدائرة اللبنانية، وتوسّع مع السفراء العرب والأجانب الذين التقاهم عون أو اجتمعوا بمقرّبين منه أو موفدين عنه. لم يُطرح الموضوع مواربةً، بل على العكس. بكل صراحة قيلَ لهؤلاء واستُشيروا في إمكان استبدال الحريري لتأليف الحكومة، ومن بينهم السفيرتان الأميركية والفرنسية اللتان لم تُبديا أي حماسة.
ومع أن هذا الأمر لم يعُد بالإمكان سترُه، خاصة أن عون كانَ قد أعدّ بعض الأسماء الرديفة، إلا أن مصادر رئيس الجمهورية تنفي هذا الأمر، لا بل تؤكد أن «الرئيس عون يُريد الحريري رئيساً ويريد أن يؤلّفا معاً». المُشكلة تقول المصادر «أننا لم نعُد نعرف كيف نتعامل معه. فهذا الرجل ليس هو الحريري الذي نعرفه وألّفنا معه حكومات سابقة. هذا شخص آخر». والمشكلة أيضاً أن «الجسد يتحرّر لكن العقل لا يُمكِن تحريره، وبتنا متأكدين من أن الحريري أسير شيء خارجي لم يتضِح بعد بالنسبة إلينا». وسألت المصادر الحريري: «هل اتبعتَ الآليات الدستورية ومنعك أحد من التأليف؟ لقد فعلتَها مرتين سابقاً ولم نقِف في وجهك».
كذلك نفت المصادِر أن يكون هناك اتجاه لدفع الحريري إلى الاعتذار، فهو «مكلّف من عدد كبير من النواب، ولا نعيش في أنظمة جاهلية». كل ما يريده عون هو «أن يكون شريكاً في التأليف، خاصة أن غالبية القوى المسيحية الوازنة لن تُشارك في الحكومة».
باختصار، يُمكن القول إن أزمة الحكومة تقِف عند مربع واحد: عون لا يريد الحريري، والأخير لن يقبَل بأن يشاركه رئيس الجمهورية في تأليف الحكومة، فيما تبقى كل العقد الأخرى مجرّد تفاصيل.
(الأخبار)