هل باع الإيرانيون “الحزب”؟


خاص 26 أيلول, 2024

واضح أنّ هناك خللاً معيناً داخل “الحلف المقدس” الذي تقوده إيران، لم يكن متوقعاً، خصوصاً في هذا التوقيت الصعب. وقد عبّر عنه “الحزب” وحلفاؤه وجمهوره بحملات “تخوين” شرسة وغير مسبوقة لإيران ومسؤوليها، ذكّرتهم بـ”أفضال” الحزب على الجمهورية الإسلامية وخدمة أهدافها، من سوريا والعراق إلى غزة واليمن وسواهما.


كتب طوني عيسى لـ”هنا لبنان”:

هناك أمر ما، غير اعتيادي، يجري بين إيران و”حزب الله” لم يستطع الطرفان إخفاءه، وهو يسترعي اهتماماً استثنائياً في العديد من الأوساط الدولية والإقليمية.

فهل وقع الخلاف فعلاً بين طهران و”الحزب”، ذراعها الأكثر فاعلية في الشرق الأوسط؟

لقد توجه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، عبر الـCNN، إلى الإدارة والجمهور الأميركيين، معلناً رفضه المواجهة التي اختارها “الحزب” مع إسرائيل، لأنه أعجز بكثير عن خوضها، ولأنها ستنتهي بتدمير قدراته. وهذا الانتقاد لم يكن ليحظى بهذا المقدار من الاهتمام لولا تزامنه مع إشارتين مثيرتين جداً من جانب طهران:

1- التزامها الصمت الكامل وتجنب إبدائها الدعم، حتى الشفهي، لـ”الحزب”، في مواجهته الصعبة، بل المصيرية، مع إسرائيل.

2- إعلانها، وفي هذا التوقيت الأكثر حراجة لـ”حزب الله”، استعدادها لاستئناف المفاوضات في الملف النووي مع الولايات المتحدة، على رغم ما تقدمه من دعم عملاني لإسرائيل، في حربها على حلفاء إيران في غزة ولبنان.

إذاً، على السطح، واضح أنّ هناك خللاً معيناً داخل “الحلف المقدس” الذي تقوده إيران، لم يكن متوقعاً، خصوصاً في هذا التوقيت الصعب. وقد عبّر عنه “الحزب” وحلفاؤه وجمهوره بحملات “تخوين” شرسة وغير مسبوقة لإيران ومسؤوليها، ذكّرتهم بـ”أفضال” الحزب على الجمهورية الإسلامية وخدمة أهدافها، من سوريا والعراق إلى غزة واليمن وسواهما.

في اعتقاد البعض، إنّ هذا الخلاف أو الاختلاف، لا يمكن أن يكون حقيقياً وعميقاً بين “الرأس” إيران و”الذراع” “حزب الله”، لأنّ كلاً منهما يحتاج إلى الآخر وجودياً. فإيران بلا الأجنحة تعود دولة عادية على الطرف الشرقي للشرق الأوسط، و”الحزب” بلا إيران يذوب ليأخذ حجماً “طبيعياً” كأي حزب لبناني آخر. فهل مصلحة الطرفين أن يتباعدا إذاً؟

أصحاب هذه الفرضية يقولون: في غزة، إيران خسرت “حماس” تماماً. وفي سوريا، خسرت بشار الأسد جزئياً بلجوئه إلى أحضان موسكو. وفي العراق، تراجع نفوذ حلفائها لمصلحة رغبتهم في التعايش مع القوى الأخرى. وفي اليمن، باتت إيران محشورة بسبب تفاهماتها مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. فإذا خسرت “حزب الله” في لبنان، سينحسر نفوذها الإقليمي الذي قاتلت طويلاً للحفاظ عليه بما أوتيت من قوة. لذلك، يقول أصحاب هذه الفرضية إنّ من المبكر الحديث عن انشقاق حقيقي داخل المنظومة الإيرانية، لأنّ المنطق هو أن تتمسك إيران بحليفها اللبناني، أياً كانت الظروف ومهما ارتفع الثمن.

ولكن، في الموازاة، ثمة فرضية أخرى يجري تداولها في بعض الأوساط الديبلوماسية، ويبدو أنّ لها مبرراتها في هذه المرحلة، وفيها أنّ النظام الإيراني قرأ المعطيات الدولية جيداً وأدرك أنه وصل فعلاً إلى مفترق مصيري. فهو تيقَّن من عجزه عن مواجهة الضغوط المتصاعدة، الهادفة إلى إسقاطه، فاختار أن ينحني للعاصفة مرحلياً، بمسايرة الولايات المتحدة والإيحاء باستعداده لإحياء اتفاق فيينا 2015، وفقاً لشروطها، أي بالتخلي عن طموحاته الإقليمية. وموقف طهران يستجيب لمطالب إسرائيل التي لطالما رغبت في شنّ ضربات تؤدي إلى تدمير منظومة طهران النووية وإضعاف النظام، لكن الولايات المتحدة رفضت منحها الدعم والتغطية اللازمين.

وفي هذا الشأن، يجدر التوقف عند ما قاله أمس بنيامين نتنياهو: نحن في البدايات، والشرق الأوسط كله سيتغير. ويوحي هذا الموقف بأنّ التغيير مرشح ليشمل أجنحة إيران الإقليمية، وربما نظام طهران نفسها لاحقاً. ولذلك، بمواقفها المستجدة، هي ترسل إشارات “حسن نية” إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، يُفهم منها أنها لم تشارك ولم تبارك خوض “الحزب” المواجهة الكبرى مع إسرائيل. والأرجح أنّ للرغبة الإيرانية في الانحناء للعاصفة ارتباطاً بمفصل الانتخابات الأميركية. إذ يتقاطع المحللين على الاعتقاد بأنّ الظروف المقبلة ستفرض أن تكون الإدارة الأميركية الآتية وثيقة الصلة بنتنياهو، سواء فاز دونالد ترامب أو كامالا هاريس.

لذلك، قد لا تكون إيران قد باعت “حزب الله”، كما يعتقد البعض حتى في داخل بيئته، لكن هناك وقائع قد تفرض مقداراً من التباعد بين الطرفين يوقعهما في “فرق عُملة” بين مصالح “الحزب” المحلية ومصالح طهران الإقليمية. فأولوية كل منهما ستكون حماية الرأس قبل كل شيء، وبأي ثمن.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us