كذب الممانعون ولو صدقوا!


خاص 26 أيلول, 2024

لا الحرس الثوري الإيراني متأهّب على الجبهات الداخلية، ولا الحكومة الإيرانية منهمكة بخطط الإجلاء والإنقاذ والإغاثة، ولا الشعب الإيراني يفترش صفّ مدرسة في الليل… اللبنانيون وحدهم من يدفعون ثمن مفاوضات غالية عليهم كثيراً، ورخيصة على الإيرانيين يتلقّفونها بكلّ سهولة حتى يتاجروا بدمائنا وأرواحنا وأرزاقنا.


كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:

إذ كنّا نحن وشعرنا بالخجل، فما بالكم بآلاف النازحين من جنوب لبنان، وماذا كان شعورهم عندما سمعوا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يبيع أرواح شهداء اللبنانيين ودماء جرحاهم ودمار منازلهم وخوف أطفالهم من أجل كرسي على طاولة المفاوضات. شعرنا بالخجل طبعاً، لأن آخر ما قد يخطر على بال إنسان هو الغدر من أقرب الناس إليه، ومَن في الدنيا أقرب من إيران إلى حزب الله؟ ولم يصحّ أبداً المثل الشعبي “أنا وخيّي على إبن عمّي، وأنا وإبن عمّي عالغريب”، لأن الأخ الأكبر الفارسي باع أخاه الأصغر في اليمن بعد أن تنصّل من الحوثيين، وباع أخاه الثاني في لبنان بعد أن تخلّى عن حزب الله في أكثر لحظة دموية.

تعالوا نتخيل بكل براءة أنّ حزب الله قرّر فقط لأسباب أخلاقية وغير سياسية أن يفتح جبهة الإسناد من الجنوب اللبناني في 8 تشرين الأول، وذلك بعد مرور أقل من 24 ساعة على عملية “طوفان الأقصى”، ولنفترض أن أسبابه كانت بحت عاطفية وإنسانية، واستمرّ في هذه الجبهة قرابة عام كامل دون أن يتراجع عنها، ما أدّى في نهاية المطاف إلى إندلاع المعارك على الأراضي اللبنانية… والآن، تخيلوا أيضاً أنه بعد ساعات قليلة على بدء سلاح الجوّ الإسرائيلي الغاشم تنفيذ عمليات إجرامية ضد أهلنا في جنوب لبنان، بعد ساعات قليلة فقط، لم تفتح إيران جبهة إسناد من سوريا أو العراق أو اليمن أو حتى طهران، بل فتحت مزاداً على ملفاتها العالقة منذ سنوات بأسعار دماء اللبنانيين وأرواحهم. ولم تشعر إيران حتى بواجب أخلاقي أو إنساني يدفعها ليس للمساندة، وإنما للإدلاء بتصريح صغير مقتضب تشجب فيه وتدين وتتوعّد.

وللحقيقة، فتحت إيران جبهة إسناد، ولكن تولّاها الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان لمساندة وزير خارجيته، فظهر في اليوم التالي في نيويورك كرئيس جمعية إيرانية غير حكومية لا تبغى الربح، وأمطر الإعلام والصحافيين برسائل السلام والحب والأمان والطمأنينة، فيما طائرات الشيطان الأكبر تحوّل مدن وقرى الجنوب والبقاع إلى جحيم من الحديد والنار. ويا ترى أين كانت هذه المحبّة العارمة قبل إقلاع الطائرات الإسرائيلية لتدمير لبنان، وأين كانت هذه النزعة إلى السلام قبل أن يسقط أول طفل شهيد في غرفة نومه في إحدى قرى الجنوب، وأين كان هذا الكمّ من التنوير وصحوة الضمير الإنساني قبل أن تعتقل الحرب مئات آلاف اللبنانيين على طرقات الجنوب؟!

لا الحرس الثوري الإيراني متأهّب على الجبهات الداخلية، ولا الحكومة الإيرانية منهمكة بخطط الإجلاء والإنقاذ والإغاثة، ولا الشعب الإيراني يفترش صفّ مدرسة في الليل ويتنقلّ بين ميتاته في النهار… اللبنانيون وحدهم من يدفع ثمن مفاوضات غالية عليهم كثيراً، ورخيصة على الإيرانيين يتلقفونها بكلّ سهولة حتى يتاجروا بدمائنا وأرواحنا وأرزاقنا.

ما حصل على أرض لبنان المحروقة صباح يوم الاثنين، وما تبعه على سجّاد نيويورك الأحمر عند الظهر، لا يحتاج لا إلى محلّل سياسي ولا باحث عسكري استراتيجي… بل قليل من المنطق يفضح كذبة المخرج الإيراني الذي ينكّل بممثلّيه من إيران إلى ما بعد بعد جنوب لبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us