مات السيد كي ننتخب رئيسا


خاص 30 أيلول, 2024

بعد حقبة طويلة من عمر الثنائي الشيعي كانت لها تأثيراتها في لبنان على كل المستويات، أصبح اليوم برّي وحده الشخصية الأبرز على مستوى هذه الطائفة، فهل سيطرأ تغيير على سلوك بري الذي يحتل المنصب الأرفع للشيعة في هذا البلد بعد غياب شريكه في الثنائية؟

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

ما تحقق بعد غياب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كان لافتاً ومهماً في آن. وها هي المعابر الشرعية بين لبنان وسوريا شهدت ولا تزال تدفق عشرات الألوف من النازحين السوريين عائدين إلى ديارهم. أضف إليهم أعداداً لا يستهان بها من اللبنانيين الذين قرروا الفرار من الوطن تفادياً لجحيم الحرب والغلاء على حد سواء.
وما تحقّق أيضاً بعد غياب السيد وقف الطيران المباشر بين كل من إيران والعراق مع لبنان. ويعني هذا التوقف للطيران من هذين البلدين الذي أتى تحت وطأة الاجتياح الإسرائيلي الجوي للبنان، أنّ الشريان الحيوي الذي كان يمد “حزب الله” بصورة غير مشروعة عبر مطار رفيق الحريري الدولي بالمال والسلاح وغيرهما قد توقف.
وما تحقق أيضاً وأيضاً نتيجة غياب السيد، النصاب الكامل في “الجلسة الطارئة” التي عقدها مجلس الوزراء السبت الماضي ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد الوقوف والوزراء دقيقة صمت حداداً على نصرالله إلى القول: “أستحلفُكم اليومَ أنْ نضع جانباً خلافاتِنا السياسية ، ومواقِفنا المتباعدة ، وخياراتِنا المتباينة، ونلتقي جميعاً على ما يصونُ الوطنَ ويحميه”. ثم ختم: “نحن مدعوونَ في هذه اللحظة المصيرية إلى أن نجدِّدَ وحدتنا ونجسِّدُها بالعمل سريعاً على انتخاب رئيس للجمهورية، فنُنقذُ وطنَنا ونحمي شعبَنا وهذهِ مسؤوليةٌ جامعة لا تستثني أحداً…”
وكان لافتاً أنّ ما صرّح به وزير المالية يوسف خليل لـ”هنا لبنان”بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، هو “أنّ غياب رئيس الجمهورية أصبح مكلفًا جدًا على لبنان.
أما خارج جلسة مجلس الوزراء وبعد الإعلان عن نبأ العثور على جثمان نصرالله ، صرّح رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط بأنه “من الضروري أن يتحد الجميع لمواجهة هذا التصعيد الخطير والعمل على انتخاب رئيس للجمهورية”.
وقبل ساعات من اتضاح مصير نصرالله ، شدد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خلال استقباله السفيرة الجديدة للنروج في لبنان هيلدي هارالدستاد، على “ضرورة احترام المؤسسات والدستور في لبنان، وهو ما لا يفعله محور الممانعة عبر تعطيل انتخابات رئيس الجمهورية، وأكّد أنّ وجود رئيس هو ضرورة لقيادة البلاد وبخاصة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاعية والمفاوضات الدولية”.
ماذا تعني كل هذه المواقف التي تعبّر تقريباً عن مختلف الأطياف السياسية؟ إنّها تقول إنّ مصرّع زعيم “حزب الله” التاريخي يجدّد العزم على فتح ملف الشغور في رئاسة الجمهورية. فهل تقترن الأقوال بالأفعال؟
قيل الكثير سابقاً عن مواقف اتّخذها نصرالله طوال فترة الشغور الرئاسي وكان أبرزها أن لا شيء يحول دون إتمام الاستحقاق الرئاسي على الرغم من انخراط “الحزب” في المواجهة مع إسرائيل دعماً لغزة. وها هو نصرالله يرحل قبل أن يبصر إنجاز هذا الاستحقاق. لكن ما قاله في حياته في الاستحقاق لم يرحل. وهو أنّ الصراع الدائر في المنطقة يجب ألّا يحول دون أن تنفتح أبواب قصر بعبدا مجدّداً.
شاءت الظروف أنّ شهر أيلول الذي يطوي اليوم آخر أيامه شهد تحركاً للجنة الخماسية التي تتابع ملف الشغور الرئاسي منذ قرابة العاميّن. واقترن هذا التحرّك بمجيء الوسيط الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى لبنان. لم يؤد تحرك اللجنة وزيارة لودريان بالطبع الى إزالة الركود في مسار الاستحقاق.
لكن التطور الاستثنائي في أحداث لبنان وفي مقدمها غياب نصرالله ينقل هذا البلد الى مكان جديد مختلف تقريبا عن عقود من السنين التي تعود إلى بداية تسعينيات القرن الماضي عندما أصبح نصرالله أميناً عاماً لـ”الحزب” خلفاً للأمين العام السابق عباس الموسوي الذي اغتالته إسرائيل عام 1992 . وتشاء الأقدار أن يرتقي إلى مصاف رئاسة مجلس النواب في ذلك الزمن نبيه بري الذي ما زال حتى اليوم رئيساً للبرلمان.
في بيان النعي لرحيل نصرالله ، قال بري في المناسبة:” ثلاثة وثلاثون من العمر سوياً…أنت منّا ونحن منك ولم يحل بيننا أثقال جبال”. تختزل هذه العبارة التي أوردها بري في بيان النعي حقبة طويلة تمثل عمر الثنائي الشيعي التي كانت له تأثيرات في لبنان على كل المستويات. أما اليوم ، فقد أصبح بري وحده الشخصية الأبرز على مستوى هذه الطائفة التي تمثل إحدى الطوائف الرئيسية التي تدير لبنان. فهل سيطرأ تغيير على سلوك بري الذي يحتل المنصب الأرفع للشيعة في هذا البلد بعدما غاب شريكه في الثنائية؟
هذا أحد الأسئلة التي يطرحها غياب نصرالله المدويّ. في أي حال، لم يبق من نصرالله اليوم سوى ما ورد في كتاب حياته. وفي آخر صفحات هذا الكتاب كلمة نصرالله في 19 أيلول الجاري غداة الحدثين المشهودين في 17 و18 الجاري عندما شنّت إسرائيل حرباً سيبرانية هي الأولى من نوعها في التاريخ وتمثلت بتفجير آلاف أجهزة المناداة “البيجرز” بأيدي مستخدميها من “حزب الله” وكذلك أجهزة الاتصال اللاسلكي “التوكي ووكيز”.
في هذه الكلمة كان نصرالله يتطلع للكلام في 7 تشرين الأول المقبل. وهو قال:” كُنت أُوفر نفسي للذكرى السنوية لطوفان الأقصى لأعرض تقييمًا شاملًا ‏وكاملًا وعميقًا حول أحداث عام كامل من المواجهة الدامية لمحور المقاومة مع هذا الكيان الصهيوني ‏الغاصب، لكن بكلّ الأحوال ما حصل في هذين اليومين بالتأكيد يستدعي كلامًا وتقييمًا وموقفًا”. لكن العمر لم يمتد بنصرالله حتى موعد الذكرى الأولى لحرب غزة والتي يفصلنا اليوم عنها أسبوع .
وفي كلمة نصرالله الأخيرة مقطع من الضروري التأمل به اليوم . فهو قال:” الشكر للحكومة اللبنانية ولوزارة الصحة والمستشفيات والمراكز الصحية ومؤسسات الدفاع المدني بمختلف ‏أسمائها ومسمياتها والإسعاف والهيئات الصحية والأطباء والممرضين والذين أبلوا بلاءً حسنًا، هناك أطباء ‏يعملون في الليل وفي النهار. طبعًا لدينا مشكلة في لبنان لأن حجم الإصابات بالعيون كبير والمستشفيات غير ‏مهيأة لهذا المستوى من الإصابات لذلك هناك ضغط وأحيانًا يكون هناك تأخير، لكن هذا سببه الضغط وليس ‏التقصير، بالعكس ما شهدناه هذين اليومين وهذه الأيام هو تعاطٍ إيجابي وجدّي وكبير واهتمام عالٍ ‏يُشكرون عليه. الشكر لكل الذين تبرعوا بالدم في مختلف المناطق اللبنانية، حتّى قيل إن ما حصل يوم ‏الثلاثاء من تبرع بالدم كان أكبر عملية تبرع بالدم في تاريخ لبنان. الشكر لكل من بادر لنقل جريح في الطرقات على كتفه أو في سيارته أو على دراجته، الشكر لكل الذين أعلنوا استعدادهم للتبرع ‏بأعضاء من أجسادهم لهؤلاء الجرحى، الشكر لكل الأطباء الذين فتحوا أبواب عيادتهم بالمجان وليل نهار، ‏الشكر لكل الناس لأهلنا الطيبين في لبنان لشعبنا اللبناني العزيز في مختلف المناطق الذين تضامنوا ‏وتعاطفوا وعبروا عن مشاعر صادقة بمعزل عن الاعتبارات الطائفية والسياسية والخلافات والخصومات ‏الموجودة، الشكر لكل القيادات المتضامنة من الرؤساء، إلى المرجعيات الدينية والسياسية، الوزراء، النواب، ‏الأحزاب، التيارات السياسية، النخب والمؤسسات الإعلامية والاجتماعية والثقافية والنقابية وغيرها.‏
‏ من بركات هذه الدماء الزكية وهذه المظلومية التي عشناها خلال هذه الأيام أننا شهدنا في لبنان مجددًا ملحمة إنسانية وأخلاقية كبرى على المستوى الوطني والإنساني لم نشهدها منذ وقت طويل، ‏وهذه من نعم الله سبحانه وتعالى ومن بركات هذه الدماء وهذه التضحيات”.
في هذا المقطع من كلمة نصرالله الأخيرة إشادة بما وصفه بـ “ملحمة” تضامن اللبنانيين في ظروف صعبة جداً يمرون بها اليوم. فهل يمكن البناء على هذه الكلمة ورد التحية للمسيحيين في لبنان الذين اتحدوا مع مسلمي هذا البلد في محنة “الحزب” كي يساهموا في رفع أضرارها وبلسمة جراح المنكوبين فيها؟ أليس ممكناً أن تكتب اليوم عبارة “مات السيد كي ننتخب رئيساً للجمهورية”؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us