عن التحديات التي يواجهها حزب الله!
ترجمة “هنا لبنان”:
كتب Nicolas Beau لـ”Ici Beyrouth“:
تحديات تنظيمية وشعبية يواجهها حزب الله بعد النكسة غير المسبوقة التي ألمت به: اغتيال قيادته العليا في الغارات الإسرائيلية وإضعافه ونزوح قرابة مليون مدني شيعي. ولا تقتصر هذه التحديات على الحزب، بل تنسحب على التوازن الطائفي الهش في لبنان والنسيج الاجتماعي المنهك بالفعل. وبمواجهة التحديات الإنسانية والأمنية والتنظيمية الكبرى، يختبر الحزب نقطة تحول حاسمة ستترك خواتيمها (بين تراجع الحزب أو تطرفه) تأثيراً حاسماً على مستقبل بلاد الأرز وعلى الاستقرار الإقليمي والدولي.
موجات نزوح هي الأكبر منذ 1990
موجات النزوح المفاجئة والهائلة لنحو مليون شخص، معظمهم من الطائفة الشيعية تمثل سابقة في لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية في العام 1990، وستترك عواقب وخيمة على التوازن الطائفي الهش بالفعل في البلاد. وطرأت هذه الموجات في أعقاب القصف المكثف الذي استهدف قرى جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت. كما شكل الهجوم الذي استهدف القيادة العليا للحزب نقطة تحول رئيسية في تاريخ لبنان المضطرب.
على المستوى الديموغرافي والاجتماعي، قد يعيد هذا النزوح تشكيل خريطة لبنان المجتمعية بشكل عميق. كما قد يحدث تدفق النازحين الشيعة إلى المناطق ذات الأغلبية السنية أو المسيحية، كالشمال أو البقاع، تحولاً دائماً في التوازنات المحلية. ولن يحصل ذلك دون مخاطر في بلد قائم على أساس النظام السياسي وفق الإنتماء الطائفي. وبالتالي، قد تؤجج إعادة توزيع الخرائط الديموغرافية التوترات بين الطوائف. ومن شأن ذلك أن يسمح لحزب الله بتوسيع نفوذه وصولاً إلى مناطق خارج نطاق سيطرته في السابق. وسيستفيد الحزب من ترسيخ وجوده بين النازحين، لتجنيد مؤيدين جدد وتعزيز شبكاته في المناطق ذات الأغلبية السنية أو المسيحية.
الدولة غائبة والثقل على المنظمات غير الحكومية
تحد آخر يفرضه النزوح يتمثل برعاية مئات الآلاف من النازحين الشيعة. وينطوي ذلك على تحديات إنسانية واقتصادية هائلة خصوصاً في بلد تثقله أزمة غير مسبوقة بالفعل، وتكاد فيه البنية الأساسية والخدمات العامة في البلاد تنهار نتيجة لسنوات من سوء الإدارة ونقص الاستثمارات.
وفي هذا السياق، تحاول المنظمات غير الحكومية المحلية بالتعاون مع المبادرات الخاصة، التعويض عن أوجه القصور لدى الدولة لضمان الحد الأدنى من مستوى المعيشة للنازحين: الغذاء والملاجئ المؤقتة والرعاية… مهمة عملاقة وموارد محدودة!
أما حزب الله، الذي تضرر بشدة من الغارات الإسرائيلية التي دمرت صفوفه وقيادته، فهو في مرحلة انسحاب وإعادة تنظيم. ولم يعد بعد إضعافه عسكرياً وسياسياً، قادراً على تعبئة شبكاته الخيرية المعتادة لمساعدة النازحين.
بين الانفجار والتطرف
ويواجه حزب الله حالياً أزمة تنظيمية كبيرة، كشفت عن هشاشة بنيتها الهرمية والمركزية بإفراط، حيث يتمحور كل شيء حول نواة وحيدة لصنع القرار. ومن أجل البقاء، قد يميل الحزب بالفعل إلى تبني عملية لامركزية بشكل أكبر، مما يمنح مساحة للمناورة لمستوياته المتوسطة ووحداته المحلية. هذا التطور يأتي قبل كل شيء بمثابة رد عملي يهدف للحد من تأثير الضربات الإسرائيلية. ولكن إعادة التنظيم المحتملة لا تعني تغيير إيديولوجية حزب الله وأساليبه في العمق أو المزيد من الشفافية أو الاعتدال. بل على العكس، قد تغذي إعادة التموضع ظهور فصائل أكثر تطرفاً ويصعب السيطرة عليها داخل الحزب نفسه. وإذا أضعف حزب الله قيادته، سيخاطر بخسارة التماسك الاستراتيجي وتشتت قواته. وقد يصبح تنسيق العمليات المعقدة أكثر صعوبة. وفي نهاية المطاف، قد تأتي مفاعيل اللامركزية عكسية وتضعف الحزب بدلاً من تقويته. وبالتالي، حذارِ المبالغة في تفسير هذا التطور التنظيمي المحتمل، الذي لن يعدو كونه أكثر من تكيف تكتيكي لضمان بقاء حزب معاد بشكل أساسي لمصالح وقيم الديمقراطيات الغربية.
شبح الإرهاب
ومن مخاطر هذه اللامركزية أيضًا، فقدان قيادة الحزب السيطرة على قواتها وتحول بعض الأطراف نحو التطرف على غرار ما أصاب الجماعات الجهادية في العراق أو سوريا. إذا تُرِكت النسخة المكررة “لحزب الله” (أو حزب الله 2) وحيدة وتحررت من وصاية طهران، قد تميل لاتباع خط أكثر تشدداً واللجوء إلى الأساليب الإرهابية، في لبنان وخارجه.
وههنا، لا يستبعد تحول الحزب أو بعض أعضائه نحو “الداعشية الشيعية”، حيث قد تعتمد الجماعات المتطرفة على خبرتها العسكرية، لزعزعة استقرار البنية اللبنانية الهشة بشكل دائم من خلال زيادة الهجمات ضد الطوائف الأخرى. ولن يقتصر نطاق الضرر على لبنان، حيث قد يميل أعضاء الحزب في الشتات الشيعي، وخصوصاً في أفريقيا وأميركا اللاتينية، لاتخاذ إجراءات تستهدف المصالح الإسرائيلية أو الغربية.
وعلى الرغم أن هذا السيناريو هو الأسوأ “افتراضياً”، لا بد من أخذه على محمل الجد. فقد أظهر حزب الله في الماضي قدرته على ضرب أماكن بعيدة عن قواعده. وأثبتت تجارب جماعات سابقة مثل تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية أن هذه المنظمات سرعان ما تخرج من تحت أنقاض الهياكل الضعيفة أو المفككة.
حزب الله “بلا رأس” ولكن لن يتخلّى عن السلاح
على الرغم من أهمية نزع سلاح حزب الله بالنسبة لمستقبل لبنان، يبدو تطبيق هذه المسألة اليوم أبعد من أي وقت مضى. والحقيقة أن إسرائيل وحدها، قادرة من خلال الهجوم العسكري، على فرض تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 بالقوة. وينص القرار على نزع سلاح كافة الميليشيات اللبنانية، وقد التزمت فيه الأطراف كلها ما عدا حزب الله.
وبمواجهة هذا الوضع، يبدو أن المجتمع الدولي منح موافقة ضمنية لإسرائيل “لإتمام المهمة” ليس فقط في لبنان، بل ومع كل “وكلاء” إيران في الشرق الأوسط، على الرغم من التصريحات التي تدعو إلى ضبط النفس. وتزعم الولايات المتحدة أنها تدعم الدولة اليهودية “بالكامل”، في حين تقدم الدول الغربية الأخرى، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، دعمها من خلال تعبئة مواردها العسكرية في المنطقة وإعادة تأكيد التزامها بسلامته. وتقدم بعض الدول العربية، على الرغم من تكتمها، مساعدات غير مباشرة، مثل قطر التي مولت رواتب الجنود اللبنانيين لتعزيز الجيش ضد حزب الله، أو دول أخرى وفرت الدعم المادي. أما الاتحاد الأوروبي، من جانبه، فأدان الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل بشدة، مع الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
في ظل هذه المعطيات، مخطئ من يتوقع أن حزب الله سيوافق على إلقاء سلاحه من تلقاء نفسه. وحتى بعد إضعافه بالضربات الإسرائيلية وتخلي عرابه الإيراني عنه، يبقى حزب الله مرتبطاً بشدة بفرعه العسكري، الذي يعتبره المفتاح لبقائه ونفوذه. وحده الاستسلام الكامل، الذي لا يزال يبدو بعيد المنال، قد يدفعه للبحث بجدية في نزع سلاحه وتحويله إلى حزب سياسي بحت.
في نهاية المطاف، حزب الله أمام نقطة تحول تاريخية، وعلى الرغم من ضعفه، لا يزال صامداً وسيتعين عليه اتخاذ خيارات حاسمة لمستقبله ومستقبل لبنان. ولكن من السذاجة الاعتقاد أن هذه الخيارات مطوبة بالاعتدال والتسوية.
مواضيع ذات صلة :
استنفار قيادي درزي منعاً لأي مغامرة | “في الحرب الجميع خاسرون”… الراعي: لتفريغ المؤسسات التربوية لأن العلم ضرورة | عن ذكريات محتها الحرب |