ميقاتي واستراتيجية النملة


خاص 9 تشرين الأول, 2024

يتطلع نبيه بري إلى أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، وهو يريد استباق ما يراه قادماً، بانتخاب رئيس له فيه حصة، تضمن غدرات الزمن، وتحول موازين القوى. ويتطلع ميقاتي، إلى أن يكون رئيس الحكومة الدائم، الذي ينطلق للحفاظ على الديمومة، من إنجاز وقف الحرب، وحماية لبنان، وإعادة الألق للسراي ولكل من يجلس على كرسيها

كتب أسعد بشارة لـ”هنا لبنان”:

حتمت التطورات الميدانية المتسارعة على إيران، أن تنزع قناعاً وراء الآخر في تعاطيها في الملف اللبناني. تغييب القيادة التاريخية لحزب الله، المتمثلة بالسيد حسن نصرالله، كان أشبه بالثقب الأسود الذي ابتلع كل الأقنعة، فبات على الجمهورية الإسلامية، أن تشمر عن زنودها، وترسل وزير خارجيتها عباس عراقجي كمندوب سام، مكلف بضبط المعادلة الداخلية، للحفاظ على التوازن الذي كاد يختل.

ملفتة زيارة عراقجي والتصريحات التي أطلقها. مدونة سلوك كاملة، أعلنها بعد اللقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، واجتماع جاف مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، اضطر رئيس الحكومة بعده، لإصدار بيان يكبح فيه جماح التحليلات، التي ذهبت الى حد أنّ عراقجي خرق الأصول الدبلوماسية في التعاطي مع رئيس حكومة لبنان، لكن الأبرز في ذاك البيان أنه لم ينف بين السطور، وجود خلاف بين مفهوم المصلحة اللبنانية في وقف الحرب، والمصلحة الإيرانية في استمرار ورقة الجنوب، كأحد أبرز أوراق القوة، في منظومة النفوذ الإيراني في المنطقة.

يتبع ميقاتي في مواجهة أزمة الحرب وجبهة الإسناد، استراتيجية النملة. يمشي ببطء بعد أن يكون قد أمن طريقه، مستطلعاً ما يمكن أن يستفيد منه من ثغرات. أجل زيارته الى نيويورك، ثم قررها بناء على أنّ في هذا المحفل، ما يمكن أن يؤدي إلى إنتاج قرار وقف إطلاق النار. فاوض في نيويورك، وفوجئ وهو ما زال هناك بكمين مصدره إسرائيل، يسرب خبراً عن توقيعه اتفاق وقف إطلاق النار، لكن ذلك لم يكن مجرد تفصيل. إسرائيل أجهضت وقف إطلاق النار، لأنها تريد أن تستثمر في الحرب، إجهازاً على حزب الله قيادة وكوادر، وجسماً عسكرياً مؤهلاً لتهديدها بما يفوق 7 أيار الغزاوي، بأضعاف مضاعفة.

كان ميقاتي قد التقى قبل سفره إلى نيويورك الحاج حسين الخليل، موفداً من أمين عام حزب الله، وتم التفاهم على أمور كثيرة، وأعطيت الثقة للتفاوض بحدود معينة، لكن أنباء حكومة الحرب الإسرائيلية سبقت كل المساعي، فكان اغتيال نصرالله، وكان تصعيد الحرب وصولاً إلى الدخول البري، وبات على الثنائي بري ميقاتي، أن يتعاطى مع الأحداث بمنطق جديد، الهدف منه استثمار كل الهوامش المتاحة، لوقف الحرب، ولكل منهما أسبابه.

يتطلع نبيه بري إلى أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، وهو يريد استباق ما يراه قادماً، بانتخاب رئيس له فيه حصة، تضمن غدرات الزمن، وتحول موازين القوى. ويتطلع ميقاتي، إلى أن يكون رئيس الحكومة الدائم، الذي ينطلق للحفاظ على الديمومة، من إنجاز وقف الحرب، وحماية لبنان، وإعادة الألق للسراي ولكل من يجلس على كرسيها.

إنها استراتيجية النملة، التي تعتمد جس النبض قبل التقدم بأي خطوة إلى الأمام، استراتيجية محفوفة بكل المخاطر، ومقدر لها أن تعبر حقول ألغام كثيرة.

وسط هذا الفراغ، يسأل سائل: ماذا لو لاقت الكثير من القوى السياسية، ثنائي ميقاتي بري إلى أكثر من منتصف الطريق؟ وماذا لو نجحت بكركي في ترتيب قمة روحية، تتبنى ثابتة وقف الحرب وتطبيق القرار 1701 وانتخاب رئيس جديد يشرف على مرحلة انتقالية صعبة؟

سيكون ذلك إن حصل، تواطؤاً إيجابياً، يضيف جرعة من الحصانة، إلى ثنائي ميقاتي بري، تكفي للمضي قدماً في رحلة الألف ميل، المحفوفة بالكثير من المخاطر، وببعض الجرأة، وبتفويض مشكوك بصدقيته.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us