“الحزب” وإسرائيل: الإقتصاد في عين العاصفة

ترجمة هنا لبنان 11 تشرين الأول, 2024

ترجمة “هنا لبنان”

كتبت Christiane Tager لـ”Ici Beyrouth“:

عاد الزمن بلبنان من جديد ليجد نفسه مجبراً على تكبد الأثمان الباهظة والتداعيات الخطيرة للحرب بين إسرائيل وحزب الله. وذلك على المدى القصير والمتوسط، دون أي آفاق واضحة.

فلبنان الذي يعاني من جراء الأزمة الاقتصادية قد يواجه تدهوراً أكبر، مع زيادة التضخم ومعدلات البطالة. ناهيك عن زيادة عدم الاستقرار، بفعل التوترات، وتأثيراتها السلبية على الاستثمارات الأجنبية والمحلية المنخفضة في الأصل. كما ستدفع الحرب المستثمرين والمهنيين للفرار من البلاد، مما يعني أن التعافي الاقتصادي سيذهب أدراج الرياح. ولا شك أن البلاد التي تعتمد على القطاع السياحي ستواجه انخفاضاً إضافياً في نسب السياح على المدى البعيد.

ويعيد د. نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك “بيبلوس”، بداية التداعيات إلى 7 أكتوبر، حيث كانت توقعات النمو في 2023 تبلغ 2%، نتيجة عام سياحي استثنائي، دون أن ننسى التحسن على مستوى القطاعين الزراعي والصناعي والخدماتي. وعدا عن ذلك، كان القطاع الخاص قد تمكن نوعاً ما من امتصاص صدمة الأزمة الاقتصادية والمالية وعاد للعمل بطريقة طبيعية إلى حد ما في عام 2023. وفي الوقت نفسه، زادت القوة الشرائية لبعض اللبنانيين بفضل إعادة تكييف الأجور في القطاع الخاص ودولرتها الجزئية، كما أن استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية ساهم كذلك في توقعات النمو. لكن صدمة 7 أكتوبر غيرت كل شيء. “لقد أدى اندلاع الحرب والاشتباكات في جنوب لبنان إلى حدوث موجة صدمة سلبية تباطأ معها هذا التعافي الاقتصادي. وقدر غبريل أنّ نسبة النمو ستقتصر على 1%، دون أدنى تصور للقطاع الخاص.

انكماش في النمو

أما في ما يتعلق بالاقتصاد، يشير غبريل إلى العامل الحاسم المتمثل بالافتقار إلى الرؤية، خصوصاً وأن واقع موسم الصيف (2024) الذي طال انتظاره تغير في نهاية تموز مع موجة إلغاء الحجوزات والمغادرة المتسرعة للمغتربين والسياح. ووفقاً له، واجهت البلاد تباطؤًا اقتصاديًا حتى نهاية شهر آب وكان من المتوقع حدوث انكماش بنسبة 1% في العام 2024، ولكن اعتباراً من 17 أيلول، تغير كل شيء، ووصلنا إلى السيناريو الذي كان يخشاه الجميع: اتساع نطاق الحرب. وتوقع انكماشاً اقتصادياً بنحو 6 إلى 7% لعام 2024 نظراً لمستوى الدمار وتهجير أكثر من مليون لبناني”.

وازدادت الفرص الضائعة على الاقتصاد اللبناني في 2024، بنسبة 10%، مقارنة بـ 1% في 2023، دون احتساب الدمار الناتج عن القصف الإسرائيلي. وعلى عكس التوقعات، “بدلاً من تحقيق نمو بنسبة 3%، نتجه نحو انكماش بنسبة 6 إلى 7% حتى الآن”.

ولن تفلت المالية العامة من هذه التداعيات أيضًا، على الرغم من تحسن الوضع في العام 2023. وعلى الرغم من تسجيل الميزانية فائضًا قدره 1.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي وتوقع وزارة المالية في 15 أيلول تحقيق فائض قدره 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، لا يرى غبريل أن هذا الفائض ممكن في هذا السياق، حيث ستؤدي الحرب والانكماش الاقتصادي إلى تراجع إيرادات الخزينة وسيرتفع الإنفاق العام حتماً. ووسط هذا الغموض، يصعب تحديد رقم جديد يتعلق بالموازنة والمالية العامة، وفي أفضل الأحوال سيسجل 0% من الناتج المحلي الإجمالي، أو عجز بنسبة 1% من الأخيرة.
وفيما يتعلق بالوضع المالي، يشير الخبير إلى تمكن مصرف لبنان حتى الساعة من الحفاظ على استقرار الليرة اللبنانية بفضل سياسته المتمثلة في استيعاب جزء كبير من الكتلة النقدية بالليرة في السوق. وفي العام 2023، سحب مصرف لبنان 22 تريليون ليرة لبنانية، مما قلص المعروض النقدي بنسبة 30%. يضاف إلى ذلك عامل الاقتصاد الدولاري الذي ساهم أيضًا في استقرار السوق. لكنه يؤكد أنه من المستحيل وضع توقعات، حتى على المدى المتوسط، لأن الدولة ستحتاج إلى إنفاق أكثر بكثير مما خططت له.

من جهة أخرى، أكد غبريل أن القطاع العام يملك في حساباته لدى مصرف لبنان نحو 5 مليارات و800 مليون دولار، دون معرفة نسبتها بالدولار الفريش. فهل ستستخدم الدولة هذه الأموال؟ هل سيضطر مصرف لبنان إلى تمويل الدولة من جديد؟ هل ستضغط الدولة على استخدام احتياطيات العملة الأجنبية؟ تبقى الكثير من الأسئلة دون إجابة في الوقت الراهن. وتوقع تعاون مصرف لبنان مع الدولة، لكن دون المساس باستقرار سعر الليرة اللبنانية.
أما بالنسبة لمعدل البطالة، فقد بلغ وفقاً للبنك الدولي 11% في عامي 2022 و2023. لكن نظراً للتأثير السلبي على معظم قطاعات الدولة، من المؤكد أن نسب البطالة سترتفع في عام 2024، نتيجة انخفاض التكاليف التشغيلية للشركات. ناهيك عن أنّ الاستهلاك في زمن الحرب مخصص للسلع الأساسية حصراً، الأمر الذي سيؤثر على جزء من تجارة التجزئة. وتعاني قطاعات أخرى أيضاً من التباطؤ، إن لم يكن من التوقف التام، كما أن الاستثمارات في حالة توقف تام تقريباً.

كل هذا أثر سلباً على الثقة، حسب ما حذر غبريل، مشدداً على أنّ استعادتها منوطة بإنهاء الحرب. “لكن علينا أيضاً أن نتعلم الدروس، كما يضيف، ونحترم الآجال الدستورية والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء ومكافحة الاقتصاد الموازي والتهرب الضريبي والجمركي والتهريب.

أما عن التوقعات للعام 2025، فيصعب تصورها على أمل ألا تمتد الحرب حتى ذلك الحين.

خسائر شهرية بقيمة مليار ونصف دولار

وبدوره، وصف عميد كليّة إدارة الأعمال في جامعة القدّيس يوسف د. فؤاد زمكحل، تداعيات هذا الصراع على القطاعات الإنتاجية بـ”الدراماتيكية” على عدة مستويات، ولها آثار هائلة. التكاليف: حوالي 3 إلى 4 مليارات دولار للسياحة وخسارة نحو مليار ونصف دولار شهرياً إذا التزمنا بتوقعات حوالي 18 مليار ناتج محلي إجمالي لهذا العام. وأكد على تأثر هذه القطاعات بشكل خطير، بدءاً بالقطاع الصناعي الذي كان أفضل من تعافى بعد الأزمة مع زيادة تكاليف الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، فقد المصدرون ثقة العملاء الذين يلجأون إلى موردين آخرين، خوفاً من التأخير في عمليات التسليم. وفي ما يتعلق بالقطاع التجاري، أبدى زمكحل شكوكاً جدية حول الميزانيات الكبيرة، وكذلك بالنسبة لفترة نهاية العام السياحي بما أن الحجوزات يفترض بأن تحدث في مثل هذه الفترة.

أما القطاع الزراعي، فمني بأضرار كبيرة، نظراً لتمركز النشاط بشكل أساسي في البقاع والجنوب اللبناني، الذي تعرض لقصف شديد بالفوسفور.

وأخيراً، على المستوى الدولي، قد ينتج عن توسع رقعة الصراع، رد فعل سلبي في الأسواق المالية وقد تتعطل التجارة خصوصاً في منطقة البحر الأبيض المتوسط، مما سينعكس حكما على حركة الاستيراد والتصدير. هذا دون نسيان الارتفاع المحتمل في أسعار النفط وتبعاته الخطيرة على الاقتصادات العالمية.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us