لبنان بين همجية نتنياهو وتنكر “حزب الله”
غير أن الشيخ نعيم قاسم، والذي أشاد بـ”الأخ الأكبر” نبيه برّي وقدراته، لم ينسَ في سياق حديثه أن يسحب منه أي سلطة للبتّ في ملفات حساسة مثل القرار 1701، وانتخاب رئيس توافقي، معتبراً أنّ هذه الأمور “تفاصيل ستناقش عندما يحين وقتها”.
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
خلق القتل والدمار الذي تمارسه إسرائيل في الجنوب وبيروت حالة من الهلع، ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى المسارعة في إعلان موقف، نظريًا يبدو إنقاذيًا، لكنه عمليًا لا يتعدى كونه إعلان نوايا ومن الصعب أن يفضي إلى إيقاف آلة الحرب التي يديرها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وقد سبق هذا الطرح إعلان نوايا سياسي آخر، يفترض أن يكون أكثر فعالية، فقد صدر عن الثلاثي نجيب ميقاتي-نبيه بري-وليد جنبلاط، وطالب بوقف إطلاق النار، تطبيق القرار 1701، وانتخاب رئيس توافقي.
هذا الإعلان شكّل في ظاهره ومضمونه بارقة أمل دفعت العديد من اللبنانيين إلى التفاؤل بانفراج ما، خصوصًا بعدما نقل ميقاتي عن برّي الاستعداد للتوجّه إلى مجلس النواب وانتخاب “رئيس توافقي لا يشكل تحديًا لأحد”. علمًا أن مفتاح المجلس بيد بري، الذي لم يدعُ منذ سنة ونصف تقريبًا، إلى جلسة انتخاب.
وقد اعتقد كثيرون أنّ الفرج قد أتى مع هذا الإعلان، فانتخاب رئيس جديد للبنان سيفتح الباب أمام تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، ما يمهد لاستعادة الدولة دورها وسلطتها المركزية.
لكن، بعد عدة أيام من اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، أعلن نائبه الشيخ نعيم قاسم باسم الحزب تفويض بري صلاحية التفاوض والموافقة على وقف إطلاق النار.
غير أن قاسم، والذي أشاد بـ”الأخ الأكبر” نبيه برّي وقدراته، لم ينسَ في سياق حديثه أن يسحب منه أي سلطة للبتّ في ملفات حساسة مثل القرار 1701، وانتخاب رئيس توافقي، معتبراً أنّ هذه الأمور “تفاصيل ستناقش عندما يحين وقتها”.
كذلك أكد قاسم أنّ “حزب الله لن يحيد قيد أنملة عن إسناد غزة”، رغم اغتيال قيادات الحزب وسقوط المدنيين.
وعلى هامش هذه التطورات جال رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف في وسط بيروت، والذي أغارت عليه اسرائيل بهدف اغتيال مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا.
وقاليباف الذي أعرب عن تضامنه مع لبنان، لم يخض إطلاقاً في مسألة وقف إطلاق النار، ما يعني وضع بري في الواجهة أمام الضغوط الإسرائيلية والدولية، وتحميله “الحمل الشيعي”، والتلطي وراءه.
في المقابل، خرج الرئيس ميقاتي مجدداً وكرر موقفه الذي يطالب بوقف إطلاق النار والالتزام بالقرار 1701، دون أن يعلن أن حكومته، التي تمثل لبنان الرسمي، ستلتزم بوقف إطلاق النار من طرف واحد.
أما بري، والذي وجد نفسه في موقف حرج، ويمتلك مهارات المناورة والإمساك بأوراق متعددة، فقد راح يوجه رسائله لميقاتي، ولمن خلف ميقاتي بطبيعة الحال، مطلقاً “توضيحاته” حول القرار 1701 ومحاولًا فصله عن القرار 1559، حيث اعتبر أنّ “الزمن تخطاه وأصبح وراءنا”، لأنه ينص على تسليم السلاح الخارج عن الشرعية اللبنانية. علماً أنّ القرار 1701 يتضمن أيضًا تطبيق القرار 1559 المتعلق بالسلاح في بنده الثاني، ولا يخفى عن أيّ طرف أنّ المقصود بهذا البند سلاح “حزب الله” حصراً.
مناورات بري لم تتوقف عند القرارات الدولية، إذ تراجع أيضاً عن طرح انتخاب “رئيس توافقي” رابطاً الانتخاب بشرط حصول المرشح المحتمل على دعم 86 نائبًا، وهو شرط تعجيزي، فالدورة الثانية للانتخابات الرئاسية تتيح انتخاب رئيس للجمهورية بـ65 صوتاً.
إذاً، في ظل اشتداد الضغوط الإيرانية على “حزب الله”، والمناورات المتواصلة بينه وبين برّي، والتخبط الحاصل داخل بنية الحزب نفسه والذي لم ينتخب حتى الآن أمينًا عامًا، يستمر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تنفيذ خطته لضرب “حزب الله” في كل أماكن تواجده، وتفكيك بنيته العسكرية والتنظيمية، وتدمير سلاحه، مستغلًا الظرف الأمريكي المؤاتي لهذه التطورات.
ليبقى السؤال في هذه المرحلة الدقيقة: هل يمكن تجنيب لبنان مصيرًا شبيهًا بما حدث عام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل بيروت؟ أم أنّ كل شيء قد أرجئ لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية؟
مواضيع مماثلة للكاتب:
“الحزب” السلاح الإيراني الأكثر فعالية للتفاوض | وليد جنبلاط… السهل الممتنع | القرار 1701 وألاعيب الطبقة السياسية |