كيف تنجح الدبلوماسية؟
ترجمة “هنا لبنان”
كتب David Hale لـ”This Is Beirut”:
من جملة الأمور التي يجب إدراكها أنّ وقف المعارك ليس منوطا ببساطة برغبة زعيم أميركي أو بورقة متداولة في نيويورك بعنوان “وقف إطلاق النار”.
وما لم تبد قوة خارجية استعدادها لفرض وقف إطلاق النار، قد يحدث ذلك تلقائياً حين تعتقد الأطراف المنغمسة في الصراع أنها ما عادت قادرة على تحقيق أهدافها السياسية والأمنية بالوسائل العسكرية وبالتالي تبدأ بالبحث عن مخرج.
ومن الواضح أنّ حزب الله مستعد بعد تكبده خسائر فادحة في الأسابيع الأخيرة، لوقف إطلاق النار. ولكن من ناحية أخرى، لا ينطبق ذلك على ما يبدو على إيران. فقد استغل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي زيارته الأخيرة إلى بيروت ليحثّ اللبنانيين على مواصلة الحرب نيابة عن إيران. ذلك أن إيران مستعدة للقتال حتى آخر لبناني. أما إسرائيل، التي تسيطر على الوضع حالياً، فلم تبد اهتماماً بوقف إطلاق النار على أساس الوعود الغامضة ببذل جهد لإرساء الأمن عملاً بقرار الأمم المتحدة رقم 1701 عام 2006. وللتذكير، في ذلك العام، لم تفِ إيران ولا حزب الله بالتزاماتهما في الصفقة بمجرد وقف إطلاق النار. فما الذي سيحفز إسرائيل على قبول مثل هذا العرض اليوم؟ قادتها لا يرغبون بذلك؛ بل يتحكمون بمجرى الأمور اليوم.
وعلى الرغم من اغتيال نصر الله وعدد من القادة، لا يزال حزب الله موجوداً. وما لم يعتقد الإسرائيليون أنهم نجحوا بتقليص القدرة العسكرية للحزب وبإعادة إرساء الاستقرار إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية على المدى الطويل، من غير المرجح أن تتوقف حملة الجيش الإسرائيلي. أما التأثير الأميركي فمحصور بتقديم خطة لمسار دبلوماسي مقنع يخدم الأهداف عينها. وهذه الأهداف لا تعني العودة إلى الوضع الراهن قبل الثامن من أكتوبر، حين كان بوسع الحزب الانضمام إلى حرب حماس ضد إسرائيل دون عقاب. ولا الهدف هو العودة إلى أسلوب القرار 1701، الذي لم تحترمه إيران وحزب الله يوماً، تحديداً في ما يتعلق بتسليم سلاح حزب الله.
يتمثل الهدف الإسرائيلي على المدى القريب حالياً بالقضاء على قدرة حزب الله على بث الرعب وممارسة العنف عبر الحدود اللبنانية. أما الهدف على المدى البعيد فيقتضي إنهاء الوضع الذي يسيطر فيه وكلاء إيران في بلاد الشام على حياة وموت كل المحيطين بهم. ولأن قوة حزب الله وتوجيهاته نابعة من إيران، يرتبط تحقيق ذلك الهدف بتغيير دوافع القادة الإيرانيين. وإلى أن يشعر هؤلاء القادة بما يكفي بوطأة الضغوط ويتكبدوا بأنفسهم ــ وليس عن طريق وكلائهم العرب ــ التكاليف المتزايدة، سيبقى الهدف بعيد المنال.
لقد استنفدت إدارة بايدن طاقتها في الشرق الأوسط. وكان التعاون العسكري بين إسرائيل وأميركا كبيراً للغاية. ومع ذلك، كافحت واشنطن لبرهنة أهميتها في المجالات السياسية والدبلوماسية وليحترم الحلفاء والأعداء إرادتها. وكالعادة، من المرجح أن تشهد هذه الأسابيع الأخيرة مع أفول ولاية الإدارة في البيت الأبيض المزيد من تلاشي النفوذ الأميركي. وتتموضع الأطراف الفاعلة في المنطقة استعداداً للرئيس الأميركي القادم وفريقه.
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات الأميركية، يتطلب الأمر انتهاج سياسة جديدة تجاه إيران. ولا بد لهذه السياسة من تعزيز المزايا التي حققتها العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إمبراطورية إيران، وتكثيف الضغوط بكل الوسائل المتاحة من أجل تغيير السلوك الإيراني. كما لا بد من تقديم بديل لصناع القرار الإيرانيين، حيث يؤدي التغيير الحقيقي الملموس في سلوكهم لتخفيف الضغوط تدريجياً ـ ولكن حصراً في حال وعندما يبدأ النظام الإيراني بتغيير مساره.
ويتطلب نجاح هذه السياسة الأميركية، المثابرة وإدراك طهران أنّ التغيير في السلطة بين حزبين لن يؤدي إلى تغيير في السياسة. ولن يتسنى للإدارة المقبلة التوصل إلى سياسة الثنائية الحزبية كما هو ملحّ للزعماء الحقيقيين غير المنتخبين في طهران، إلا من خلال العمل السياسي الجاد والمرونة في الداخل.
وفي لبنان، يبقى مجرى الأحداث غير واضح ولكن من الحكمة أن يدرك المسؤولون الأميركيون أن العنوان الحقيقي يقع في طهران، وليس في بيروت. ولا يمكننا أن نتوقع من معارضي حزب الله اللبنانيين، الذين عانوا كثيراً من الاغتيالات والترهيب، أن يقفوا ويتحدوا ضد هذه المجموعة التي لا تزال قاتلة على الرغم من إضعافها. ومن الأهمية بمكان أن نساعد في إعادة بناء الدعم السياسي هناك لاستعادة السيادة اللبنانية.. السيادة الحقيقية، التي لا تقتصر على السيطرة الحصرية للدولة على السلاح وعلى الحدود، ولكن السيادة التي تعني أنّ الدول المجاورة لن تضطر للخوف من أجزاء لبنانية غير خاضعة للدولة. ويتطلع العديد من اللبنانيين لتحقيق الوعود غير المنجزة التي قطعت لهم في إطار اتفاق الطائف والقرار 1701، والتي لا يزالون عاجزين عن تحقيقها.
ولعل أفضل طريقة تستطيع بها الولايات المتحدة وأصدقاؤها في الشرق الأوسط مساعدة اللبنانيين اليوم تقتضي بوضع حد لرغبة طهران ولقدرتها على بسط سلطتها في بلاد الشام. حينها فقط سيتمكن اللبنانيون من اختيار رئيس يعكس إرادتهم، وليس إرادة أي قوة أجنبية، وحينها سيتمكنون من تنفيذ الإصلاحات الكفيلة بجعل لبنان نسخة أفضل وبمنأى عن التدخلات الأجنبية.
مواضيع ذات صلة :
المظلوم لا يُسامِح |