القمة الروحية تظهر التباين الشيعي


خاص 18 تشرين الأول, 2024

ظهر واضحاً التباين في الموقف داخل “الثنائي الشيعي” الذي لم يعد يلتقي على كل شيء، فبعدما بات معظم الشيعة نازحين في أرجاء لبنان ومنهم من لا يجد مكاناً يأويه، بدأت مسألة ربط لبنان بغزة تثير حساسية في الشارع الشيعي الذي لا يريد أن يتحول إلى غزة ثانية

كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:

لم تكن القمة الروحية التي عقدت الأربعاء في بكركي الأولى ولن تكون الأخيرة. فهي أصبحت إلى حد ما تقليداً بدأه البطريرك نصرالله صفير عندما قام لأول مرة وبعد انتخابه بطريركاً عام 1986 بزيارة المفتي الشهيد حسن خالد، ثم نظم عقد أول قمة روحية في بكركي، تلاها حدث مأساوي باغتيال المفتي خالد عام 1989. يومها شكل الحدث تحدياً للنظام السوري الذي كان يمارس وصايته على لبنان، انطلاقاً من أنّ مواقف المفتي خالد لم تكن تهضمها دمشق، وثانياً لأنه جسّد نوعاً من التمرد على إرادة الأسد الذي كان لا يستسيغ تلاقي القيادات الإسلامية والمسيحية.

اليوم تغيرت الظروف وتحول “حزب الله” منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005 إلى ضابط إيقاع الداخل، محاولاً فرض إرادته في أكثر من موقع وعلى أكثر من حدث إلى أن انتهى تحت القصف المباشر لقياداته من إسرائيل. وقد عقدت هذه القمة في ظروف صعبة وشبه مستحيلة على ضوء المعلومات التي سرت عشية الانعقاد، والتي تمحورت حول عقدة مشاركة الطائفة الشيعية، التي سبق وأن غابت عن قمة سابقة نظمت بحضور أمين سر الفاتيكان بيترو بارولين الذي حضر إلى بيروت. وقام يومها المفتي أحمد قبلان بشن هجوم عبر رسالة وجهها إلى بارولين نفسه يبرر فيها مقاطعته شاكياً الراعي من دون أن يسميه قائلاً: “بعض الرؤساء الروحيين في بلدي يرون ما تقوم به طائفة الفداء الأكبر وجماعة مقاوميها إرهاباً ممقوتاً لا بد من ردعه ومنعه، ولا يفتأ هذا الصوت يطالب بتطبيق قرارات دولية، عملياً تلزم لبنان دون إسرائيل بقرارات أممية مطبوخة بالسمّ”.

وهذه المرة كادت القمة أن تُلغى لانعكاس التباين الشيعي في الموقف. إذ بعد أن أعطى نبيه بري موافقته على انعقادها وكلف الشيخ علي الخطيب نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى بالمشاركة، جرى التداول ببند يتضمن حق اللبنانيين في المقاومة دفاعاً عن وجودهم، ما اعتبر وكأنه تشريع لما يقوم به “حزب الله” وكاد أن يطيح بالقمة. إلا أنه تم تجاوز هذه العقبة وتمكنت بكركي من عقد القمة بمشاركة جميع رؤساء الطوائف وحضور المفتي قبلان أيضاً ضمن الوفد الشيعي. وقام رئيس كل طائفة روحية بإلقاء كلمته التي عبر فيها عما يعتقد أنها مواقف وهواجس طائفته. ولكن البيان الختامي هو الذي يعبر عن الجوامع المشتركة في هذا الظرف الصعب والدقيق. وقد ظهر واضحاً التباين في الموقف داخل “الثنائي الشيعي” الذي لم يعد يلتقي على كل شيء.

ففيما يرزح لبنان تحت الحرب والقصف الإسرائيلي الذي يسعى جاهداً لتدمير قيادة “حزب الله” وفكفكة هرمه التنظيمي بعد أن جعله حالياً من دون رأس، أصبح الوزن والثقل الشيعي بيد بري كونه رئيس حركة أمل ولأنه صاحب صفة رسمية يتمتع بها منذ اثنين وثلاثين عاماً، أي رئيس المجلس النيابي. وهذا يزيد في مسؤوليته وفي وزنه الشيعي في الوقت نفسه، ما أدى إلى ظهور بعض التناقضات، وبالأخص إيقاف الحرب إذ أصبح معظم الشيعة نازحين في أرجاء لبنان، ومنهم من لا يجد مكان يأويه. فحمل البيان المطالبة الفورية بوقف إطلاق النار الذي تبناه “حزب الله” ولكنه في نفس الوقت يصر على ربط لبنان بحرب غزة. وهذه مسألة بدأت تثير حساسية في الشارع الشيعي الذي لا يريد أن يتحول إلى غزة ثانية. وطالب البيان بانتخاب رئيس للجمهورية فوراً فيما “حزب الله” يقول إنّ أي أمر آخر غير وقف إطلاق النار “تفاصيل عندما يحين وقتها تناقش وتتخذ فيها القرارات”. ناهيك عن المطالبة بتطبيق القرار 1701 الذي ينص على نشر الجيش في جنوب الليطاني أي بمعنى آخر ضرورة تراجع عناصر “حزب الله” إلى شمال الليطاني. كما أن القرار يتكلم عن ضرورة تطبيق 1559 الذي ينص على حصر السلاح في يد السلطة الشرعية.

يضاف إلى كل هولاء الموقف الإيراني غير الواضح والذي لا يقوي موقف “حزب الله” عندما يطالبه من جهة بالصمود والاستمرار في المعركة وربطها في غزة خلال زيارة عباس عراقجي وزير الخارجية ومحمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى الإيرانيين بيروت، فيما يتابع عراقجي جولة عربية يركز فيها على عدم نية إيران خوض حرب داعياً إلى السلام والأمن والاستقرار في المنطقة. أهي حقيقة أم مناورة لا سيما وعين القيادة في طهران على الضربة الإسرائيلية؟

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us