بعد الحرب ونزوح الآلاف هل نحن أمام إعادة هندسة للشعوب في المنطقة؟


خاص 18 تشرين الأول, 2024

منذ تاريخ 20 أيلول الماضي وحتى يومنا هذا نزح قرابة مليوني لبناني، فيما نزح 550 ألف شخص من لبنان إلى الخارج، وتشي هذه الأرقام بتحول ديمغرافي خطير في حال تم إحتلال بعض القرى الحدودية وتجريفها من قبل الجيش الإسرائيلي ومنع عودة أهلها إليها ومعظمهم من الطائفة الشيعية، كما حصل في الحرب السورية إذ نزح الملايين ولم يعودوا إلى سوريا بسبب النظام الحاكم

كتبت شهير إدريس لـ “هنا لبنان”:

تشتد أزمة نزوح الجنوبيين والبقاعيين وأهالي الضاحية الجنوبية الذين إفترشوا الأرض والأرصفة واتخذوا من المدارس ومراكز الإيواء مساكن جديدة فيما البعض الميسور إستأجروا بيوتاً ومحالَّ في معظم المناطق اللبنانية الآمنة هرباً من القصف الإسرائيلي الذي لا يوفر البشر والحجر ويعتدي على المدنيين العزل والأطقم الطبية والمسعفين وسياراتهم بخرق فاضح للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية والذي يوصف بالإبادة وبالجرائم ضد الإنسانية، وفي حال إستمرت الحرب ستأخذ منحى خطير جداً من الإقصاء والقتل والتهجير الجماعي بحسب الباحثين والمحللين في القانون الدولي.

فمنذ تاريخ 20 أيلول الماضي وحتى يومنا هذا نزح قرابة مليوني لبناني فيما نزح 550 ألف شخص من لبنان إلى خارجه وتوزعت الخارطة بين سوريا وتركيا والعراق وصولاً إلى الدول الأوروبية والغربية المتنوعة. وبحسب الأرقام التي خصت بها الدولية للمعلومات موقع “هنا لبنان” فإن عدد النازحين وعلى الرغم من كبره فإنه يبقى أقل من نزوح حرب تموز في العام 2006 وذلك بسبب الأزمة المالية وشح الأموال من جهة وطرق الإجلاء التي تقوم بها بعض الدول إضافة الى أنّ الحدود السورية غير مفتوحة بالكامل.

وتوزعت الأرقام على الشكل الآتي:

62 ألف مواطن خرجوا عبر مطار رفيق الحريري الدولي

128 ألف نازح لبناني دخلوا إلى سوريا

330 ألف نازح سوري عادوا إلى سوريا

3000 آلاف نازح إلى تركيا ومعظمهم إما براً أو بحراً

8000 آلاف نازح إلى العراق، قرابة 2000 براً عبر مطارَي بغداد والنجف الدوليَين ووالباقي براً عبر منفذ القائم الحدودي.

هذه الأرقام المرتفعة تؤشر إلى تحول ديمغرافي خطير في حال تم احتلال بعض القرى الحدودية وتجريفها من قبل الجيش الإسرائيلي ومنع عودة أهلها إليها ومعظمهم من الطائفة الشيعية، على غرار ما حصل في الحرب السورية إذ أنّ ملايين السوريين نزحوا إلى لبنان والدول المجاورة كالعراق والأردن وتركيا وأغلبيتهم من الطائفة السنية والذين لم يعودوا إلى سوريا بسبب النظام الحاكم، إذ يتخوف البعض على مصيره في حال العودة. ويرى البعض أنه قد يكون هناك مشروع جديد لهندسة الشعوب ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد المرسوم للمنطقة.

وفيما وصل عدد النازحين والعائدين إلى سوريا إلى قرابة 458 ألفاً بين لبناني وسوري، برزت مسألة النازحين الشيعة إلى العراق حيث توزعت الأرقام بين ثلاثة آلاف كحد أدنى وثمانية آلاف كحد أقصى إذ فتحت العراق لا سيما مدينة كربلاء وسط العراق ومدينة سيد الأوصياء التابعة للعتبة الحسينية أبوابها للوافدين من لبنان واعتبرتهم بمثابة ضيوف بعد أن كانوا يزورونها سنوياً كحجاج لإحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين ويلمسون فيها حسن الضيافة والكرم.

العديد من عائلات الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية إختارت العراق ملجأ لها بعد أن قامت الحكومة العراقية بتقديم التسهيلات لهم وقررت تخصيص ثلاثة مليارات دينار لتقديم الخدمات لهم كما قامت بجهود إغاثية وأرسلت طائرات مساعدات طبية وغذائية إلى لبنان. كما وجّهت الحكومة العراقية أوامر لمنح اللبنانيين الراغبين بالسفر إلى العراق ولا يمتلكون جوازات سفر وثائق سريعة بغية تسهيل وصولهم.

بدورها شكلت العتبة الحسينية لجنة عليا لإغاثة الشعب اللبناني ونسقت مع جهات محلية لتأمين سفر اللبنانيين الذين تعرضوا للقصف والخطر الإسرائيلي وقد وضعتهم في ستة مجمعات فندقية، وأعلنت أنّ كلّ مستشفياتها في “حالة تأهب لإستقبال” أي إصابات من لبنان. وبحسب آخر الإحصاءات العراقية فقد وصل عدد اللبنانيين الوافدين إلى كربلاء إلى أكثر من 6 آلاف نازح.

أحد النازحين اللبنانيين إلى العراق لا سيما الى كربلاء والذي لم يشأ ذكر اسمه، أكد لموقع “هنا لبنان” أنه لم يعد يحتمل القصف والبقاء في أحد المدارس مع عائلته ففضل السفر إلى العراق لأن السفر إلى سوريا كما في العام 2006 ليس آمناً والأوضاع غير مستقرة إضافة إلى الأزمة الإقتصادية الموجودة، مشيراً إلى أنّ العراق والعراقيين فتحوا منازلهم للبنانيين واستقبلوهم أحسن استقبال واعتبروهم ضيوفاً. ولدى سؤالنا إذا ما تم إعطاء منزل لكل عائلة إضافة إلى مبلغ 1000 دولار، أشار إلى أنّ هذا الأمر مبالغ فيه بعض الشيء لكن هناك مساعدات مالية وغذائية وبعض المنازل المجانية التي تفتح من أصحاب الخير مشكورين، لكن البعض استأجر منازل وآخرون نزلوا ضيوفاً عند أقاربهم الذين كانوا يعملون في العراق من قبل. وقال أنه في حال توقف إطلاق النار فالجميع سيعودون إلى لبنان.

هذه المسألة شكلت هاجساً حول إمكانية حصول نزوح شيعي كبير بإتجاه العراق مما يؤدي إلى عملية “ترانسفير” جديدة لا سيما أنّ القرى الحدودية قد دمرت إسرائيل معظمها بالكامل وسوتها بالأرض وإمكانية العودة إليها وإعادة إعمارها قد تأخذ سنوات طويلة إلا أن وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية كريم النوري، قال في آخر تصريح له إن الوزارة لن تقيم مخيمات للوافدين اللبنانيين إلى العراق وتم تسمية اللبنانيين بالوافدين، أما كلمة نازحين فتترك للتوصيف القانوني. مما يؤكد أنّ العراق حريص على عدم بقائهم إلا ضيوفاً.

وفيما حصل سجال كبير في العراق بين السلطة وبعض الأصوات التي تخشى من تداعيات النزوح اللبناني ومن مخطط لتوطين اللبنانيين النازحين من الحرب على غرار ما حصل في سوريا، أكد الباحث السياسي والصحافي مصطفى فحص لموقع “هنا لبنان” أنّ عدد النازحين إلى العراق قليل جداً والنخبة الشيعية في العراق ليست موافقة على نزوح دائم للبنانيين إليها بل نزوح مؤقت، وقد تم تسجيلهم ضمن قاعدة بيانات وزارة الهجرة وتأمين احتياجاتهم الضرورية، مشيراً إلى أنّ النجف وعلماءه متنبهون لهذا الأمر ولا يريدون إقامة دائمة لشيعة لبنان لأنهم يريدون الحفاظ على الديموغرافية الشيعية في العراق ولا يريدون أن يكون هناك تغيير للديموغرافية الشيعية في لبنان. ولفت فحص إلى أنّ الأمور تقتصر الآن على مسألة الإيواء وتقديم المساعدات إضافة إلى القيام بما يساهم في تخفيف معاناة اللبنانيين وتأمين احتياجاتهم الإنسانية، وفي حال إنتهت الحرب فإن العراقيين سيطلبون منهم العودة إلى بلدهم.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us