“وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ”..


خاص 25 تشرين الأول, 2024

اليوم هناك أكثر من 4 ملايين لبناني يخوضون حرباً لا يعرفون سببها، كلّ ما يعرفونه أننا لم نُسأل، وأنّ من جرّنا إلى مصيرنا هذا لم يُكتَب له أن ينهي الحرب بعبارة “لو كنت أعلم”.. ويا ليتكَ يا سيد كنتَ تعلم، يا ليتك استمعت لرغبتنا، يا ليت.. ربما لما كنا اليوم نحصي الشهداء… ولما كنت أنتَ نفسك شهيداً، نتيجة “وشاية” لم نعرف حتى تاريخنا هذا من كان وراءها!

كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:

“وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ”، آية قرآنية، نزلت لتحرّم وأد البنات في زمن الجاهلية! حيث كان يتم دفنهنّ رضيعات خوفاً من “العار”، ثمّ جاء الدين الإسلامي ليحرّم هذا الفعل وليجرّمه..
في زمن الجاهلية، كانت الرضيعة “ضحية”، تُقتل دون أن تُسأل؟ دون أن تقترف أيّ ذنب.. دون أن تملك الحق حتى بالدفاع عن نفسها، وبرفع الغبن عنها!

أما اليوم، ونحن في زمن الألفية الثالثة، فهناك أكثر من ألفي موؤود وموؤودة، هناك أطفال ونساء ورجال ومسنّون، استشهدوا تحت الأنقاض، دون أن يُسألوا، دون أن يختاروا الحرب، دون أن يخيّروا حتى بين الحياة أو “الاستشهاد”!
اليوم، هناك شعب بأكمله، بين شهيد، ومهجّر، وخائف، بين مفجوع، ومحزون، ومتعب.. دون أن يُسأل!
اليوم، هناك قرى تدمرت، منازل تمّ محو أثرها، هناك أبنية تتساقط على رؤوس أهلها، هناك مساجد، كنائس، أسواق، أثار، قلاع، تُدمّر، دون أن نسأل لا نحن ولا تاريخها، ولا ذاكرتها!

اليوم، هناك أكثر من 4 ملايين لبناني يخوضون حرباً، لا يعرفون سببها؟! كل ما يعرفونه أنّه في 8 تشرين الأوّل 2023، قرر حزب الله بشخص أمينه الراحل، السيد حسن نصرالله، تحويل لبنان إلى جبهة مساندة، وأنّه بعد 9 أشهر من محاولة ثني الحزب عن هذه المغامرة، ومن تحذيره من مغبة الاستمرار بها، ها نحن اليوم ندفع الثمن والأثمان..

كل ما يعرفونه هو: مجزرة البيجر؟! جنون إسرائيلي وعدوان متتالٍ؟ كل ما جنيناه هو ارتفاع مخيف في أعداد الشهداء، وتحوّل أهالي الجنوب إلى نازحين، وتحوّل كل قيادي في حزب الله ومن يدور في فلكه لهدف إسرائيلي لا يهدّده هو فقط، بل يهدّد عائلته ومنطقته، وأي مكان يحلّ به!
كل ما يعرفونه، أنّه في الذكرى السنوية الأولى لجبهة المساندة، لم يخرج علينا السيد نصرالله لأنّه استشهد، ولم يخرج علينا من انتدب لخلافته لأنّه أيضاً كان هدفاً إسرائيلياً.. كل ما يعرفونه أنّ رئيس وحدة التنسيق والتواصل في الحزب مجهول المصير! وأنّ قيادة الحزب قد أصيبت في صميمها، في وقت يخرج الإيراني بخطاب “المكابرة”، فيدعونا للمقاومة والاستمرار وهو جالس في وطنه، سعيد بأمنه وسلامه، وعينه على طاولة المفاوضات وما ستفضي إليه، ومكاسبه!

كل ما يعرفونه، أنّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، لم يستحِ أن يأتِيَ إلينا، ويطالبنا بالاستمرار وأن يمتعض من موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
كل ما يعرفونه، أنّ رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، كان وقحاً لدرجة أن طرح نفسه مفاوضاً باسم لبنان، ما استوجب رداً حاسماً وجازماً ولغة لم نعتدها من الرئيس ميقاتي، لغة تتناسق والعنجهية الإيرانية التي استباحت البشر والحجر في وطننا.

كل ما يعرفونه، أنّ مصيرهم اليوم، مرتبط بخطابات محمد عفيف، وبإطلالات الشيخ نعيم قاسم “المتوترة”، وبمواقف الرئيس نبيه برّي، التي تتبدل أكثر من الرادارت الجنبلاطية!

كل ما يعرفونه، أنّ لبنان بات قبراً، ومناطقه تحوّلت إلى جحيم، وسماء هذا الوطن، باتت تختنق بالطائرات والمسيّرات والصواريخ، والدخان الأسود الناجم عن الغارات ودمارها ونيرانها وإجرامها…

كل ما يعرفونه، أننا لم نُسأل، وأنّ من جرّنا إلى مصيرنا هذا لم يكتب له أن ينهي الحرب بعبارة “لو كنت أعلم”.. ويا ليتك يا سيد كنت تعلم، يا ليتك استمعت لرغبتنا، يا ليت.. ربما لما كنا اليوم نحصي الشهداء، ولما كانت مستشفياتنا تجتهد لاستيعاب الأعداد المخيفة من الإصابات التي تخلفها الضربات، ولما كان مصيرنا “مجهولاً”، ولما كنا رهينة تغريدات مستفزّة يكتبها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، ولما غادرنا بيوتنا ولما هجّر أهلنا.. ولما كنت أنت نفسك شهيداً، نتيجة “وشاية” لم نعرف حتى تاريخنا من كان وراءها!

يا ليتك، سألت “الموؤودة”، أو حتى استمعت إلى إنجيل متى الذي جاء به: “فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ارْجِعْ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ، لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ، بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ”.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us