جبهة إسناد.. بلا سند!
ترجمة “هنا لبنان”
كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth“:
حتى تاريخ 8 تشرين الأول، لم يتمحور النزاع سوى حول بعض النقاط الحدودية القليلة وكان يكفي الإنتهاء من هذا العائق لترسيم الحدود البرية وتحديد الخط الأزرق الشهير بشكل نهائي. حتى ذلك التاريخ، لم تتطلب القضايا العالقة سوى تدخل دبلوماسي حتى بدرجة متواضعة كما في لبنان. لكن الأمور انقلبت اليوم رأساً على عقب وما عادت سيرة مزارع شبعا أو تلال كفرشوبا على لسان أحد.. لا بل وخرج جنوب لبنان كله عن سيطرة البلاد.
كابوس بالفعل! والعنوان العريض: “جبهة الإسناد”.. خطأ استراتيجي كبير ستتكبد أثمانه الباهظة أجيال وأجيال من اللبنانيين على مدى الـ 50 عاماً المقبلة. فكيف ببوصلة الأحداث أن تشهد على تحريف قراءة الوضع وتوجيه شعب بأكمله إلى الهاوية، في حالة سقوط حر وبقرار من البعض حصراً؟ التحذيرات توالت تباعاً على مدى عام كامل، وتكرر الموال نفسه: “لا تفتعلوا حرباً ونفذوا القرار 1701”. ألم يكف عام بأكمله؟ ألم توفر هذه الشهور الطويلة الوقت حتى للنفوس الأكثر تعنتاً لطرح التساؤلات وللتراجع؟ سيتعين على المؤرخين بذل جهد كبير لتفسير المنطق وراء التمسك بنفس النهج الذي أدى للتدمير المباشر والمعلن للبلاد، على الرغم من كل الأدلة وكل الطروحات التي تبرهن ضرورة الركون للعكس. ولكن في الواقع، يبدو أنّ البعض لم يتعلم من دروس الماضي ومن الخطأ الاستراتيجي السابق في العام 2006. مذاك، عمل البعض على التكنولوجيا والبعض الآخر على الأيديولوجيا. أليس هذا ما نراه فعلياً على الأرض؟ وكم قيل لنا عن “توازن الرعب”. ممتاز! ولكن أين هو ذلك؟ لقد جاهر البعض حتى باقتناعه بأنّ الإسرائيليين لن يجرؤوا على مهاجمة مثل هذه “المقاومة” القوية. ولكن أين هي؟
وكم سمعنا عن طوابير الملايين من الإسرائيليين الذين سينضمون إلى الستين ألف لاجئ الذين غادروا شمال إسرائيل. ولكن لم نر أيًا من ذلك. ومن ناحية أخرى، يصدح واقع الـ 1.6 مليون نازح لبناني بأعلى صوت!
ولا داعي للخوض في الأسلحة المذهلة القادرة على ضرب أي مكان. ولا داعي للغوص في التساؤلات حول مكان الصواريخ الباليستية الفائقة المصنعة في إيران. ففي الحياة الواقعية، حدث ولا حرج! سماء لبنان ساحة مفتوحة أمام المسيرات والطائرات الحربية… بلا حسيب ولا رقيب! الإسرائيليون يضربون متى يريدون، وأينما يريدون، ومن يريدون. وفي غمرة هذا الرعب، تطلق بضع عشرات الصواريخ اليتيمة من لبنان، قبل أن تتعرض بمعظمها للاعتراض.
وماذا عن الأضرار؟ هل نخوض هذا السياق؟ 20 مليار دولار في بلد تثقله الأزمة منذ خمس سنوات. كم من العقود يحتاج لبنان ليبدأ بالتعافي؟ وفقاً لأحدث التقديرات، قفزت غزة 69 عاماً إلى الوراء. نعم! غزة.. أصل الحكاية. وبما أن حزب الله دعم حماس لمدة عام، ربما نتوقع أن تهب “جبهات المقاومة الأخرى”، الغالية على قلب طهران، لنجدة لبنان الميؤوس من أمره. فأين هي وحدة الساحات التي سمعنا عنها؟ لا شيء سوى الصمت المدقع.
وعلى هذا المنوال، قادت عمالقة الورق دولة صغيرة مزقتها صراعات الآخرين على أراضيها على مدى خمسين عاماً، نحو الدمار الشامل.
واليوم، يقال لنا أن كل الغموض سيتبدد بعد الحرب، وأننا سنفهم ما حصل. ولكن من يصدق؟ ومن يمسك بزمام الأمور أصلاً؟ فلنأخذ الإدارة الأمريكية مثلاً.. ما إن يطلب أنتوني بلينكن شيئًا حتى يحدث العكس. ولا حياة لمن تنادي..مهما استفاض الرئيس الأميركي بمحاضراته ودعواته..
في المرحلة المقبلة، تتحضر البلاد والمنطقة لحدثين.. بالترتيب التالي: أولاً، الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني والرد المضاد..حسب حجم الهجوم. فهل يترجم بإنجاز تكنولوجي مفاجئ بما يكفي ليفرض رادعاً نهائياً دون أن يخلف الكثير من الأضرار؟ أم أنه سيشكل باكورة حرب إقليمية ينجر إليها الجميع؟ من الناحية الموضوعية، الفرضية الثانية غير محتملة، حيث يدرك قادة إيران هشاشة نظامهم الذي لن يصمد شهوراً قليلة بعد هزيمة حتمية. لكن الإغراء كبير للجانب الإسرائيلي حيث أن فرصة تسوية مسألة النووي الإيراني نهائياً المتاحة حالياً ربما لن تسنح مجدداً قبل أعوام.
أما الحدث الثاني فيتمثل بالانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة في 5 نوفمبر، حيث ستصوغ شخصية الرئيس الجديد مسار السنوات الأربع القادمة. وفي ظل التغيير الدبلوماسي المرتقب، يرتبط مفتاح الحل بتحديد موقف لبنان، فهل سيتناغم مع السياق المحدد للشرق الأوسط أم سيبرز كـ”نوتة” شاذة عن الإيقاع؟ على أي حال، يبقى أن ننتظر ماهية الإيقاع وعصا المايسترو السحرية!
مواضيع ذات صلة :
كم بلغ عدد الشهداء والجرحى منذ بدء الحرب؟ | تفاؤل وهمي والحرب تتصاعد | إنقسام في كواليس الفريق الممانع بين مَن يدعو إلى مواصلة الحرب ومَن يعترف بصعوبة الوضع |