ويبقى الجيش هو الحلّ…
لن نكرّر العبارة الشهيرة عن الكلاب التي تنبح، بينما القافلة تسير. ولن نهتف “يا جبل ما يهزّك ريح” لأنّ الجيش وقائده ليسوا من جماعة الشعبوية والمجاملات لكن سنكتفي بالقول: اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، الجيش هو الحلّ وهو الضمانة الوحيدة لما سيتبقّى من هذا الوطن
كتب ناشر “هنا لبنان” طارق كرم:
أشير، بدايةً، إلى أنّ عنوان المقال مستوحى من عنوان كتابٍ مشبوه للعميد المتقاعد فؤاد عون صدر من دون دار نشر ولا تاريخ في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل لفرض واقع ميشال عون أو لا أحد، والذي مهد لمحاولة الإقناع بصوابية ضرب القوات اللبنانية وقتها والقضاء على كل مقوّمات القوة والحياة في المناطق المحررة آنذاك وانتهى الأمر بالهروب فجر ١٣ تشرين الأول.
إخترت العنوان لا انطلاقاً من إعجابي بالكتاب، بل إيماناً بالعنوان. لا شيء غير العنوان.
الجيش هو الحلّ، لأنّ التجربة تؤكّد ذلك، خصوصاً أنّ ما شهدناه من انهيارٍ في الأعوام الأخيرة توقّف عند عتبة قيادة الجيش التي استمرّت بأداء مهامها، من دون تقصير، لا بل أضافت إليها مهمّات كثيرة من ضبط الأمن في الداخل، خصوصاً في فترة انتفاضة ١٧ تشرين الأول، إلى إحصاء المتضرّرين من انفجار المرفأ ومساعدتهم، إلى إطفاء الحرائق، في الأحراج وفي النفوس الحامية في بلدٍ “لا تهزّوا واقف على شوار”…
والجيش هو الحلّ لأنّ قائده حيّد المؤسّسة العسكريّة عن التجاذبات السياسيّة، فلا انغمست في خلافٍ سياسيّ ولا استخدمها حزبٌ أو زعيمٌ كمتراس، ولا سمح لأحدٍ بأن يتدخّل في شؤونها، ولا بامتناعها عن أن تحمي المتظاهرين أو الغاضبين أو كلّ صاحب رأي.
والجيش هو الحلّ لأنّ قائده، ولو رُشّح للرئاسة من دون أن يصدر أحد ضبّاطه كتابًا بالمناسبة للتمهيد، وحتى أقرب المقربين منه يرفضون البحث في الموضوع فكيف هو، هو الذي لم يرشُ نائباً بخدمة، ولا لبّى سياسيّاً بطلبٍ غير محقّ، ولا شكّل عنصراً واحداً بناءً على طلب سياسي، ولا منح ترقيةً إرضاءً لأحد.
لهذه الأسباب كلّها كانت حملة على قائد الجيش من أقلامٍ موتورة في صحيفةٍ صفراء مرهونة. ولأنّ تهم العمالة باتت توزّع بالجُملة في هذه الأيّام، تماماً كما بيع الضمائر، كان لقائد الجيش نصيبه من اتّهامٍ بأنّ السفيرة الأميركيّة تديره. اتّهامٌ من أقلامٍ اعتادت على من يديرها في صحيفة المحور الذي أوصل لبنان إلى ما وصل إليه من دمار.
والأخطر من الاتّهامات السخيفة تلويح الصحيفة نفسها بتقسيم الجيش، فيخرج منه الشيعة، كما حصل في ٦ شباط ١٩٨٤، ما يعني تقسيم البلد حكماً والدخول في حربٍ أهليّة ربما يريدها البعض تعويضاً عن خسارتهم في حروبهم ورهاناتهم ووحدة ساحاتهم، بعد عقودٍ من وعود النصر التي أصيبت بخيبة.
ولكن، ما لا يعرفه صاحب التهديد ابراهيم الأمين، أو يتجاهله، هو أنّ الضبّاط والعناصر الشيعة في الجيش اللبناني هم “أشرف الناس” بحق، وقدّم الكثيرون منهم تضحيات بالدم، حتى الشهادة، ودماؤهم، بالتأكيد، أكثر نضارةً من حبر قلمه الحاقد.
قد يبلغ العماد جوزيف عون رئاسة الجمهوريّة يومًا ما، وهو مستحقّ، وقد لا يبلغها. ولكن، ما يهمّ فعلاً أنّه قاد المؤسّسة العسكريّة بنجاحٍ في أحلك الظروف فحماها، ولو دفع ثمن ذلك حملاتٍ مغرضة عليه.
لن نكرّر العبارة الشهيرة عن الكلاب التي تنبح، بينما القافلة تسير. ولن نهتف “يا جبل ما يهزّك ريح” لأنّ الجيش وقائده ليسوا من جماعة الشعبوية والمجاملات لكن سنكتفي بالقول: اليوم، أكثر من أيّ يومٍ مضى، الجيش هو الحلّ وهو الضمانة الوحيدة لما سيتبقى من هذا الوطن.
مواضيع مماثلة للكاتب:
جبران: رِدّ الصاروخ | لولا رفسنجاني | 4 آب: أن نموت أو أن نحيا بخجل |