لبنانيو أميركا: لوبي مؤثر تنتظره مهمة انقاذ
يضع اللوبي اللبناني استراتيجية مرنة لتعزيز دعم إدارة ترامب لقضايا لبنان، في ظل سياسة أميركية تتميز بأولويات متقلبة في الشرق الأوسط. لكن يبقى السؤال: هل سيتمكن هذا اللوبي من استقطاب دعم حقيقي من الإدارة الجديدة، وكيف يمكن تفعيل هذا الدعم لتحقيق الاستفادة القصوى للبنان؟
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
شهد اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة زخمًا متجددًا مع عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة، ساعيًا لتعزيز مصالح لبنان في أروقة صنع القرار الأميركي. ورغم التحديات، يهدف هذا اللوبي إلى توظيف علاقاته لإحداث تأثير إيجابي على سياسات ترامب تجاه لبنان، مع التركيز على دعم الاستقرار ومواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد. يضع اللوبي اللبناني استراتيجية مرنة لتعزيز دعم إدارة ترامب لقضايا لبنان، في ظل سياسة أميركية تتميز بأولويات متقلبة في الشرق الأوسط. لكن يبقى السؤال: هل سيتمكن هذا اللوبي من استقطاب دعم حقيقي من الإدارة الجديدة، وكيف يمكن تفعيل هذا الدعم لتحقيق الاستفادة القصوى للبنان؟
سالم: نحن بحاجة لقرار دولي جديد
لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، يشير البروفيسور فيليب سالم الكاتب والمختص في الدراسات السياسية اللبنانية والأبحاث في حديث لـ”هنا لبنان”، إلى أن انتخاب الرئيس دونالد ترامب وتوجهه نحو شكر الجالية العربية في ميشيغان يعكس تفهّمه لدور العرب المهم في الولايات المتحدة. ويرى سالم أنّ الرئيس ترامب يعتبر الجالية العربية من المساهمين في دعمه الانتخابي، خصوصًا في ولايات مثل ميشيغان.
ويؤكد سالم أن ترامب يتمتع بعلاقات وثيقة مع عدد كبير من الشخصيات اللبنانية المعنية بالشأن اللبناني، ويضيف سالم أنّ الرئيس الأمريكي يسعى لتحقيق السلام في المنطقة بشكل عام، وخصوصاً مع لبنان. ويشدد على أنه، رغم أنّ ترامب يُكنّ دعماً كبيراً لإسرائيل، إلا أنه يُعد الرئيس الوحيد، حسب وجهة نظر سالم، القادر على ممارسة ضغوط فعلية على إيران.
وفي ما يتعلق بلبنان، يشير سالم إلى أنّ المشكلة الرئيسية تكمن في النفوذ الإيراني والتوسع الإيراني في المنطقة، إذ أنّ لبنان لا يمكنه تحقيق استقرار حقيقي طالما إيران تتمتع بحرية إرسال الأسلحة والأموال إلى أذرعها في المنطقة، مثل حماس، وحزب الله، والحوثيين، والحشد الشعبي في العراق. ومن دون جهة قادرة على إلزام إيران بوقف هذا التدفق، لن يكون هناك استقرار في لبنان. ويرى سالم أنّ اللبنانيين يجب أن يطالبوا بأمرين أساسيين: تجريد جميع الفئات اللبنانية وغير اللبنانية من السلاح، وتجفيف منابع المال والسلاح المتدفقة من إيران ودول أخرى. ويؤكد أنّ نزع السلاح وحده لن يكون كافيًا، إذ يمكن إعادة تسليح هذه الفئات إذا استمر تدفق التمويل، ويعتبر ترامب الوحيد القادر على فرض هذا النوع من الضغوط على إيران.
ويضيف سالم أنّ وجود رئيس قوي مثل ترامب في البيت الأبيض، مع رئيس إصلاحي في إيران، يمثل فرصة غير مسبوقة للبنان، موضحاً أنّ الرئيس الإيراني الحالي يمثل توجهاً إصلاحياً منذ عهد محمد خاتمي، ويؤمن بإمكانية إقامة علاقات صداقة مع الغرب.
كما يشير سالم إلى أنّ حل القضية اللبنانية لا يمكن تحقيقه طالما هناك أسلحة خارج إطار الشرعية اللبنانية، موضحًا أنّ القرار الأممي 1701 لم ينجح في فرض هذا التغيير، إذ إنه يُعتبر، حسب سالم، اتفاقًا بين إسرائيل وحزب الله، وليس بين إسرائيل ولبنان. ويقول سالم إن هذا القرار الذي يفترض أنه يقدم حلاً قد فشل في منع اندلاع الحروب، ما يبرز الحاجة لحل جذري جديد بعيداً عن إطار القرار 1701.
ويختتم سالم حديثه بالإشارة إلى أنّ اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة، وإن كان لا يزال ضعيفًا مقارنةً باللوبي الصهيوني، إلا أنه بوجود ترامب في الحكم، يمكن أن تلتقي المصالح الأمريكية واللبنانية.
حرب: للدكتور مسعد بولس الفضل الكبير
من جهته، يقول المهندس توم حرب، مدير التحالف الأمريكي الشرق أوسطي للديمقراطية، إنه لا توجد مجموعة واحدة أو لوبي لبناني واحد، بل هناك عدة مجموعات ومنظمات ولوبيات لبنانية منتشرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة. تتوزع هذه المجموعات على نطاق واسع في الولايات الأمريكية وليست محصورة في منطقة محددة، ويؤكد حرب أنّ هناك تواصلاً وتنسيقاً متبادلاً بينها عند الضرورة لتحقيق أهداف مشتركة.
أما في ما يتعلق بالانتخابات، يوضح الدكتور توم حرب أنّ هذه المجموعات اللبنانية، رغم انتشارها في عدة مناطق، كان ثقلها الأكبر في ولاية ميشيغان، حيث توجد أكبر جالية من أصول شرق أوسطية وعربية وإسلامية، ما يمنحها تأثيراً خاصاً في الأحداث الانتخابية. ويعتبر أن الدكتور مسعد بولس لعب دوراً مهماً بالتنسيق مع الجاليات العربية والإسلامية ما جعل كثيرين منهم ينتقلون للتصويت من الحزب الديموقراطي إلى الجمهوري وانتخبوا دونالد ترامب وهذه انجازات مهمة، على سبيل المثال عمدة مدينة في ميشيغين وهو من أصول يمنية وهو من مناصري الحزب الديموقراطي، وقد قام بدعم ترامب علناً في هذه الانتخابات والفضل يعود الى جهود الدكتور مسعد، ويشير إلى أن ميشيغان تضم أكبر جالية شرق أوسطية في الولايات المتحدة، وهذا يعني أن أي تأثير على نتائج الانتخابات من المتوقع أن يكون أساساً هناك. ويضيف أن هذا التأثير لا يقتصر فقط على الجانب الديني أو الإسلامي، بل يتفاعل أفراد هذه الجالية بشكل فعال ضمن المجتمع.
ويشير حرب إلى أن الجالية الكلدانية العراقية في ميشيغان تُعد من أكبر الجاليات الشرق أوسطية في الولايات المتحدة، رغم أن التأثير اللبناني عليها محدود، إلا أن هناك تعاوناً وتنسيقاً بين المجموعات اللبنانية والكلدانية في قضايا مشتركة، مثل الانتخابات. في الانتخابات السابقة، كان هناك تأثير متبادل بين هذه الجاليات لدعم المرشحين الجمهوريين، بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترامب.
يتابع الدكتور توم حرب موضحاً أن التأثير الأساسي الذي يسعى إليه اللوبي اللبناني هو إعادة انتخاب الرئيس ترامب، الذي يعتبرونه جيداً للشرق الأوسط وللوضع الداخلي في أمريكا. يشير إلى أن أفراد الجالية اللبنانية، كبقية الشعب الأمريكي، يعتبرون أنفسهم أمريكيين أولاً، إلا أنهم يتأثرون أيضاً بما يحدث في لبنان، ولهذا تجاوبوا بشكل كبير لدعم الرئيس ترامب. ولكن، لو كان الفارق في ميشيغان بين ترامب وهاريس حوالي 5,000 إلى 10,000 أو حتى 15,000 صوت، لكان بالإمكان القول بوجود تأثير ملموس من اللوبي اللبناني والعربي. إلا أن الفارق كان حوالي 100,000 صوت، مما يدل على أن التأثير كان طفيفاً ولم يكن العامل الأساسي في فوز ترامب، الذي حصل على تأييد واسع في ولايات أخرى. ويؤكد حرب أن العامل الاقتصادي ومواقف ترامب تجاه اللاجئين والمهاجرين غير القانونيين كان لهما الدور الأكبر.
وينوّه الدكتور توم حرب إلى أن اللوبي اللبناني يتباين في توجهاته، فهناك من يدعم الديمقراطيين وهناك من يؤيد الجمهوريين، وبينهم من لا يرى مشكلة في بقاء حزب الله وحماس، بينما هناك من يرفض هذا الوجود. يشير حرب إلى أن الدور الإسرائيلي هو المؤثر الأكبر على سياسات أمريكا تجاه لبنان، خاصة أن لبنان يُنظر إليه منذ السبعينات كعبء على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، نظراً لوجود فصائل عدوة لإسرائيل مثل الفلسطينيين سابقاً، والدور السوري الساعي للتوسع، والآن النفوذ الإيراني عبر حزب الله، ما يجعل لبنان عبئاً مقارنة بدول أخرى تسعى للحفاظ على استقرارها.
ويشير الدكتور توم حرب إلى أن اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة يواجه تحديات كبيرة للعمل لصالح لبنان، حيث أن لبنان اليوم يخضع لهيمنة حزب الله، مما يجعل من الصعب توصيل رسائل داعمة للبنان إلى الأمريكيين. ويشدد على أن المشكلة الأساسية هي أن لبنان يخضع لتأثيرات خارجية، سواء من إيران، أو قبلها من سوريا، أو من الفصائل الفلسطينية، ما يعوق التنسيق مع الدولة اللبنانية أو مجلس النواب لدعم لبنان وتحقيق التنمية.
ويضيف حرب أن القضية اللبنانية تُناقش مع الأمريكيين عادة بخجل ودون حزم، ما يشكل عقبة أمام اللوبيات اللبنانية في محاولاتها للتأثير. يوضح حرب أن اللبنانيين في الولايات المتحدة نادراً ما يظهرون كقوة موحدة إلا في مناسبات محدودة، ويشير إلى أن الفترة الوحيدة التي توحدت فيها الجهود كانت بين أواخر التسعينات وعام 2004، حين اجتمعت الجهود المسيحية المغتربة للتخلص من النفوذ السوري، بينما كان الطرف المسلم متردداً بسبب المخاوف على العائلات في لبنان.
في الختام، يذكر الدكتور توم حرب أن الوضع الحالي في لبنان، مع سيطرة حزب الله، دفع نحو مزيد من التعاون بين الطوائف، إلا أن النواب اللبنانيين يتجنبون التصريحات العلنية بهذا الشأن لتفادي إحراج السياسيين في الداخل، مما يجعل من النادر سماع صوت لبناني قوي في الولايات المتحدة، باستثناء بعض الأصوات الفردية التي تتحدث علناً في الإعلام أو في إطار استراتيجيات معينة.
في الختام، يُظهر المشهد اللبناني في الولايات المتحدة تعددية اللوبيات وتباين مصالحها، مما يجعل تأثيرها محدوداً في الضغط لصالح قضايا لبنان، خاصة في ظل هيمنة حزب الله وتأثير إيران وسابقاً سوريا، يتطلب مستقبل لبنان في الساحة الأمريكية جهداً جماعياً يتجاوز الانقسامات الداخلية، مع التركيز على هدف مشترك يسعى لإبراز قضاياه بوضوح ودون تردد. هذه الجهود تحتاج إلى شراكة بين الجالية اللبنانية في الخارج والدولة اللبنانية، بعيداً عن التأثيرات الخارجية، بما يساهم في رسم صورة إيجابية تعكس مصالح لبنان الحقيقية وتطلعاته نحو الاستقرار. إذا تم توحيد هذه الأصوات والجهود، يمكن للبنان أن يحظى بموقع أفضل في دوائر صنع القرار الأمريكي ويعزز فرص تحقيق السلام والتنمية المستدامة التي يطمح إليها شعبه.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الشيعة على مفترق الكارثة: لا مفرّ من العبور إلى الدولة | الحرب نكبة الاقتصاد اللبناني | الجيش جنوباً: جهوزية تنتظر الإفراج عن القرار 1701 |