سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس
مع بداية عام 2023، شهد لبنان بوادر تحسّن في معدلات السياحة والاستثمار، غير أنّ الحرب جاءت لتُعكّر الأجواء، وتحوّل الأمل إلى مأساة اقتصادية واجتماعية. منذ ذلك الحين، انحدرت السياحة إلى أدنى مستوياتها، وواجهت المطاعم والفنادق تحديات كبيرة؛ مما دفع الكثير منها إلى الإغلاق الجزئي أو الكامل
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
يعيش القطاع السياحي وقطاع المطاعم في لبنان أزمة حادة إثر تصاعد الحرب الدائرة، مما أثّر بشكل غير مسبوق على الاقتصاد اللبناني. مع بداية عام 2023، شهد لبنان بوادر تحسّن في معدلات السياحة والاستثمار، غير أنّ الحرب جاءت لتُعكّر الأجواء، وتحوّل الأمل إلى مأساة اقتصادية واجتماعية. منذ ذلك الحين، انحدرت السياحة إلى أدنى مستوياتها، وواجهت المطاعم والفنادق تحديات كبيرة؛ مما دفع الكثير منها إلى الإغلاق الجزئي أو الكامل.
الأشقر: نأمل بفتح نافذة أمل ليلة الميلاد
وللاطلاع أكثر على واقع القطاع السياحي في لبنان، أوضح نقيب أصحاب المطاعم، الأستاذ بيار الأشقر في حديث لـ “هنا لبنان”، أنّ الوضع الحالي يتجاوز مسألة تدهور أمني، فهو وضع حرب حقيقي ومدمّر. فمع بداية الحرب، كانت الأمور مستقرة نسبيًا، لكن الأوضاع سرعان ما تدهورت بشكل كبير، ومعروف أنّ أوّل أعداء السياحة هي الحروب. مع تصاعد الأزمة الأمنية والاجتماعية، سارعت السفارات إلى تحذير مواطنيها من السفر إلى لبنان، وتوالت التحذيرات لتشمل دعوات إلى مغادرة البلاد، ما أدى إلى شبه انعدام للسياحة.
وأوضح الأشقر أنّ بعض الأنشطة المتعلقة بمنظمات المجتمع المدني التي تستأجر الفنادق لعقد المؤتمرات والتدريبات هي التي بقيت تشغل القطاع اليوم، إلا أنّ نسبة إشغال الفنادق في شتاء 2023 تراجعت بشكل مقلق، حيث انحصرت بين 5% و15% داخل بيروت. أما خارج العاصمة، فقد أدى التدهور إلى إغلاق العديد من الفنادق التي كانت تعمل صيفًا وشتاءً، لتصبح موسمية فقط. حتى في بيروت، اضطرت الفنادق إلى إغلاق أجزاء من منشآتها؛ فالفندق الذي يضم 100 غرفة بات يفتح 30 فقط، وصاحب الثلاثة مطاعم اختصرها إلى واحد.
وأشار الأشقر إلى أنّ الحرب لم تدمّر فقط الحجر بل البشر أيضًا، إذ أثّرت على كل جوانب الحياة والسياحة. وذكر أنه في ظل غياب الأمن والاستقرار ووقف إطلاق النار، لا يمكن وضع أي خطة فعّالة لدعم القطاع. وأضاف أنّ الهيئات الاقتصادية حاولت في الصيف الماضي إنعاش بيروت والقرى اللبنانية عبر فعاليات ثقافية، غير أنّ الحرب قوّضت هذه الجهود.
وفي ما يخص حركة المطاعم، أوضح الأشقر أنّه على الرغم من أنّ بعض المطاعم في بيروت شهدت نشاطًا محدودًا في فترة معينة، إلا أنّ الانتعاش تركّز في مناطق محدّدة على حساب مناطق أخرى مثل الجميزة، بدارو، والأشرفية، في حين تراجع الإقبال على مناطق أخرى كانت نشطة سابقًا مثل البترون وجبيل.
الرامي: القطاع يتراجع ولكننا صامدون
ومن جهته أشار رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان، الأستاذ طوني الرامي في حديث لـ “هنا لبنان” إلى أنّ قطاع المطاعم والسهر شهد في العام 2024 نموًا بنسبة 15.3% مقارنةً بعام 2023. ووفقًا للرامي، ازداد عدد المؤسسات المطعمية النظامية من 722 في العام 2023 إلى 810 مؤسسات، موزعة على 11 منطقة سياحية رئيسية في بيروت مثل بدارو، الحمرا، وسط البلد، والأشرفية، كما سجل القطاع السياحي عمومًا في لبنان نموًا بنسبة 12%.
وأوضح الرامي في تصريحه أنّ التوترات الأمنية وازدياد خطر اندلاع حرب شاملة أثّرت سلبًا على القطاع، حيث أظهرت المقارنة بين أعداد الزوار في شهري يوليو 2023 ويوليو 2024 تراجعًا في عدد المرتادين بنسبة تصل إلى 30% تقريبًا في عدة مناطق سياحية مثل البترون (-31%)، برمانا (-30%)، الضبيه والنقاش (-40%)، وسط البلد (-23%)، الجميزة ومار مخايل (-34%)، وطرابلس (-54%)، فيما سجلت إهدن زيادة طفيفة بنسبة 3%. ولفت إلى توقعات بتراجع إضافي بنسبة تصل إلى 75% مع دخول شهر آب الماضي، نظرًا لاستمرار حالة الاستنزاف.
ووجّه الرامي في بيانه دعوة لجميع العاملين في القطاع إلى الاستمرار في الصمود والإبداع رغم التحديات، مؤكدًا على أنّ القطاع حقق إنجازات مهمة في سنة 2023 على الرغم من الأزمات المتلاحقة، وتحدى الصعوبات بغياب تعويضات التأمين بعد انفجار المرفأ وبدون تسهيلات مصرفية. وأضاف: “أطلقنا الموسم الصيفي من مكتب النقابة بروح التضامن والتفاؤل تحت شعار “معًا نعزز اتحادنا ونجدد روح الصمود والأمل”.
وفي ختام تصريحه، شدّد الرامي على أنّ الحديث عن السياحة في هذه الظروف الصعبة ليس ترفًا بل ضرورة اقتصادية مصيرية، مؤكدًا على أهمية تحمل المؤسسات السياحية مسؤولياتها في إدارة الأزمة بعزيمة للحفاظ على استمرارية القطاع، وراجياً السلامة للبنان وللقطاع السياحي.
ختامًا، يواجه القطاع السياحي في لبنان تحديات غير مسبوقة نتيجة التوترات الأمنية وتصاعد التهديدات، مما أثر بشكل كبير على حركة الزوار وأحدث تراجعًا ملحوظًا في النشاط السياحي والمطعمي، حيث شهدت بعض المناطق انخفاضًا يصل إلى 75%. هذه الخسائر لا تقتصر على الأرقام فحسب، بل تمسّ بشكل مباشر آلاف العاملين وأصحاب المؤسسات الذين يعتمدون على هذا القطاع الحيوي.
رغم التحديات، تبقى الروح المعنوية لدى القائمين على السياحة والمطاعم قوية، حيث يبذلون قُصارى جهدهم لاستعادة الزخم السياحي وتحقيق الانتعاش من خلال تقديم تجارب مميزة وتطوير أفكار خلاقة لتعزيز القطاع. إنّ الأمل في التعافي يستند إلى تكاتف الجهود والعمل الجماعي، وتظل السياحة في لبنان جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الوطني وعاملًا أساسيًا في تنمية المجتمع واستقراره.
وبالتالي، يتطلّب الحفاظ على القطاع في هذه الأوقات العصيبة إدارة مرنة للأزمات ودعماً محليًا ودوليًا لإعادة الثقة بلبنان كوجهة سياحية. ويبقى التّحدي الأكبر هو الحفاظ على استمرارية المؤسسات والعاملين فيها حتى تتحسن الظروف، ليثبت هذا القطاع مجددًا صموده وقدرته على النهوض في وجه الأزمات.
مواضيع مماثلة للكاتب:
إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم | لبنانيو أميركا: لوبي مؤثر تنتظره مهمة انقاذ | الشيعة على مفترق الكارثة: لا مفرّ من العبور إلى الدولة |