في لبنان ما يستحق الحياة


خاص 22 تشرين الثانى, 2024

لم يكن لبنان بحاجة لهذه الحرب لا من قريب ولا من بعيد، ولا يحتاج لبنان لموت أبنائه كي يثبت بأنه يؤمن بالحق وبنصرة الفلسطينيين وحقهم بإقامة دولتهم، ولا يحتاج لبنان إلى ثقافة الموت والدمار كي يشعر بالكرامة والعزة، فكل ما كان يحتاج إليه لبنان هو العقل والمنطق والجرأة لرفض ما أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم

كتب بسام أبو زيد لـ “هنا لبنان”:

كان لافتاً الكلام الذي كرره أكثر من مرة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لجهة أنّ “المقاومة” ليست لصد الإسرائيليين عند الحدود بل لمقاتلتهم عند احتلالهم لأراض لبنانية.

في التفسير المنطقي لكلام الشيخ قاسم أنّ “المقاومة” كانت قبل ٨ تشرين الأول ٢٠٢٣ عاطلة عن العمل، وقد أتت عملية طوفان الأقصى لتشكل لها حافزاً لاستئناف عملها في مواجهة إسرائيل تحت عنوان أول هو “حرب الإسناد لحركة حماس” ولكن هذه الحرب سقطت لأن حزب الله مستعد اليوم لوقف إطلاق النار حتى ولو لم تتوقف الحرب في غزة.

واللافت أيضاً وفق المنطق أنّ في لبنان وبحسب حزب الله هناك أراضٍ لبنانية محتلة من قبل إسرائيل في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وكان يفترض بالحزب أن يطبق فيها نظريته لمقاومة الإحتلال ولكن هذا الأمر لم يحصل أقله منذ ما بعد حرب تموز ٢٠٠٦ وحتى اندلاع حرب الإسناد في تشرين الأول من العام ٢٠٢٣ فلم تشهد تلك المناطق المحتلة من قبل إسرائيل على مدى تلك السنوات سوى بضع عمليات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وكانت تلك المزارع والتلال تتمتع بهدوء عسكري لافت على عكس مواقف مسؤولي حزب الله التي كانت تتوعد الإسرائيليين كلامياً بإخراجهم من تلك الأراضي المحتلة التي ما زالوا فيها إلى أجل غير مسمى.

ما يلفت أيضاً أنه في شمال الخط الأزرق لم يكن هناك من أراضٍ لبنانية محتلة وكان هناك فقط تحفظات لبنانية على ١٣ نقطة وكانت قابلة للحل بالتفاوض، ولكن حزب الله استدرج من خلال معركة الإسناد احتلالًا إسرائيلياً لمساحات من الجنوب اللبناني وتدميراً لعشرات القرى بدلاً مما كان يعد به بأنه سيجتاح الجليل. والسؤال هنا هل كان حزب الله يحتاج لهذا الإحتلال والتدمير ليثبت أنه موجود وأن صلاحية عمله كمقاومة لم تنته بعد؟

لم يكن كل لبنان بحاجة لهذه الحرب لا من قريب ولا من بعيد، ولا يحتاج لبنان لموت أبنائه كي يثبت بأنه يؤمن بالحق وبنصرة الفلسطينيين وحقهم بإقامة دولتهم، ولا يحتاج لبنان إلى ثقافة الموت والدمار كي يشعر بالكرامة والعزة، فكل ما كان يحتاج إليه لبنان هو العقل والمنطق والجرأة لرفض ما أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.

لقد حذرنا العالم مراراً ولا سيما عبر الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين من أنّ حرب الإسناد ستقودنا إلى الخراب وأصر علينا بضرورة وقف إطلاق النار وبتطبيق ترتيبات لا ترقى إلى تطبيق كامل للقرار ١٧٠١ ولكن المكابرة تجسدت بالرفض، إلى أن أشعلت إسرائيل الحرب الشاملة ضد لبنان في أيلول الماضي أي بعد مرور نحو سنة على حرب الإسناد فسقط آلاف الشهداء والجرحى وشمل الدمار مناطق واسعة من لبنان ونزح أكثر من مليون لبناني وهاجر من هاجر ويعيش اللبنانيون أوضاعا إجتماعية واقتصادية أكثر صعوبة من أي وقت مضى رفعت من نقمة أكثرية اللبنانيين على حزب الله وحتى في صفوف الطائفة الشيعية حيث يكتم البعض غضبه والبعض الآخر أخذ يجاهر به.

كل ذلك دفع المعنيين بالحرب في لبنان إلى التفتيش عن وقف لإطلاق النار بأي ثمن حتى ولو كان استسلاماً أو إذعاناً مغلفاً بشعارات وهمية تباع لمن غسلت أدمغتهم وللمطبلين وأصحاب المصالح الخاصة ودعاة عدم قيام الدولة صاحبة القرار، فهؤلاء لو يراجعون فقط تصريحات قوى الحرب والدمار التي كانت ترفض القرار ١٧٠١ وتقبله الآن وتعلن أنها ستطبقه بكامل مندرجاته، ولو يراجع هؤلاء مضمون القرار ١٧٠١ لعلموا أنه كان بالإمكان تطبيق هذا القرار من دون طلقة رصاص واحدة ومن دون إراقة نقطة دماء واحدة ومن دون كل المآسي التي نعيشها حالياً، ولعلموا أيضاً وأدركوا أن في لبنان ما يستحق الحياة أكثر مما يستحق الموت.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us