لبنان بين تحديات السيادة وصراعات المنطقة: “رؤية لاستقرار مستدام”
مع تصاعد التوترات في المنطقة، يبدو الجنوب اللبناني وكأنه عالق بين مطرقة الأجندات الخارجية وسندان الانقسامات الداخلية. فهل يمكن للتغيرات السياسية الحالية أن تكون فرصة لاستعادة السيادة اللبنانية الكاملة على الجنوب؟ وكيف يمكن للدولة اللبنانية مواجهة هذا التحدي، وترسيخ سيادتها، ومنع استغلال أرضها لتحقيق مصالح الأطراف الخارجية؟
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
منذ توقيع اتفاق القاهرة عام 1969، شكّل الجنوب اللبناني محوراً لتجاذبات داخلية وإقليمية أثرت بشكل مباشر على السيادة الوطنية. الاتفاق، الذي منح منظمة التحرير الفلسطينية حرية العمل في الجنوب، كان بداية لتحوّل المنطقة إلى ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، ما أضعف قدرة الدولة اللبنانية على فرض سلطتها الكاملة. اليوم، ومع تصاعد التوترات في المنطقة، يبدو الجنوب اللبناني وكأنه عالق بين مطرقة الأجندات الخارجية وسندان الانقسامات الداخلية. فهل يمكن للتغيرات السياسية الحالية أن تكون فرصة لاستعادة السيادة اللبنانية الكاملة على الجنوب؟ وكيف يمكن للدولة اللبنانية مواجهة هذا التحدي، وترسيخ سيادتها، ومنع استغلال أرضها لتحقيق مصالح الأطراف الخارجية؟
الرياشي: “الحياد طريق السيادة”
النائب ملحم الرياشي، عضو تكتل الجمهورية القوية، يضع إصبعه على جوهر معضلة السيادة اللبنانية في الجنوب، مؤكداً أن التغيرات الإقليمية الحالية تتيح فرصة لدور أكثر فاعلية للجيش اللبناني في تعزيز الأمن والاستقرار. لكنه يشير بوضوح إلى أنّ استعادة السيادة ليست مجرد شأن عسكري، بل قضية سياسية استراتيجية ترتبط بتوجه لبنان نحو “حياد فاعل” لا حياد سلبي، يخرجه نهائياً من دوامة الصراعات الإقليمية والدولية. هذا الحياد، بحسب الرياشي، هو المفتاح للحفاظ على موقع لبنان ورسالته، وبالتالي ضمان سيادته واستقراره.
ويرى الرياشي أن الخطوة الوحيدة لتثبيت السيادة تكمن في تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بكامل مندرجاتها ومن دون أي إبطاء، علّ لبنان يخفف من وطأة الدمار المنهجي والمدروس الذي يعاني منه، معبّراً عن أسفه لهذا الواقع.
الفرزلي: “لتحديد العلاقة بين لبنان ومنطق المقاومة”
في معرض تعليقه على واقع السيادة اللبنانية والتدخلات الإقليمية، استعاد نائب رئيس مجلس النواب الأسبق إيلي الفرزلي جزءاً من تاريخ لبنان في الستينات، حين برزت المقاومة الفلسطينية وبدأت باستخدام لبنان كمنطلق لضرب الكيان الإسرائيلي. أشار الفرزلي إلى أنّ هناك من نبه مبكراً إلى مخاطر إقحام لبنان في مواجهة عسكرية غير متكافئة مع إسرائيل، خاصة في ظل موازين القوى الدولية التي كانت ولا تزال تميل لصالح الكيان الإسرائيلي.
وأوضح الفرزلي أنّ لبنان كان بإمكانه الاكتفاء بدور داعم للقضية الفلسطينية دبلوماسياً ولوجستياً وتأهيلياً، من دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل. إلا أنّ عوامل عدة، منها موقف بعض الفئات اللبنانية المناهضة لإسرائيل واعتقادهم بضرورة التصدي لما وصفوه بـ”الكيان الغريب” وطموحاته بإقامة “إسرائيل الكبرى”، دفعت لبنان لأن يصبح ساحة لصراعات دولية وإقليمية. وخلص الفرزلي إلى أنه لو أُخذت النصائح في حينها بعين الاعتبار، لكان لبنان قد تجنب الكثير من الأزمات التي يعيشها اليوم.
الرئيس إيلي الفرزلي يضع الأحداث الراهنة في لبنان في إطار الصراعات الإقليمية الأوسع، مشيرًا إلى أن كل ما يحدث في لبنان، سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا، يترك أثرًا واضحًا على مستقبله، لا سيما في ظل الصراع العربي الإسرائيلي والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الفرزلي يرى أن التحدي الأساسي الذي يواجه الشعب اللبناني هو كيفية إخراج لبنان من دائرة الاستهداف المستمر ومن كونه ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، حيث أصبحت أرضه منصة تُطبخ عليها أزمات الشرق الأوسط. ويستشهد بما جرى في عامي 1975 و1976، عندما تحول لبنان إلى ورقة تُستخدم لتمهيد إنشاء وطن للفلسطينيين ودولة إسرائيلية معترف بها، وفقًا للقرارات الأممية 42 و338 وكان الصراع وكانت نتائجه حتمية.
ويضيف الفرزلي لـ “هنا لبنان” أنّ الشعب اللبناني يصبو إلى الوصول إلى مرحلة يكون فيها متحررًا من ردات الفعل، ومن أن يكون لبنان ساحة من ساحات صراعات المنطقة.. صراع اليوم، يقول الفرزلي، قد وضع لبنان على هذه السكة، لكنه يعتقد في الوقت ذاته أنّه من الممكن، بعقل لبناني صافٍ وإدارة حكيمة للصراعات الداخلية، أن يتمّ التصرف بشكل جيد، إذا استطاع اللبنانيون إنشاء علاقات وثيقة، حقيقية وعميقة فيما بينهم، وأسسوا لاستراتيجية تمنع التدخلات الخارجية في الساحة اللبنانية، فإن البديل يكون في قوة لبنان عبر وحدته الوطنية الحقيقية، وليس الشكلية لدفع أي خطر يتهدد البلد، ويختم قائلاّ، “أنا أعتقد أنه من الممكن أن نحقق هذه الغاية. وأعتقد في الوقت عينه أنّ تحديد العلاقة في الداخل بين لبنان ومنطق المقاومة هو الطريق السليم الذي يجب أن نسلكه. وذلك من أجل وضع استراتيجية دفاعية تجعل قرار الدولة هو القرار الفاعل على الأرض، والذي ينال إجماع كل اللبنانيين دون استثناء.”
إنّ استقرار لبنان لن يتحقق إلّا من خلال التزامه الكامل بتنفيذ القرارات الدولية، التي تشكل الإطار الشرعي لاستعادة سيادته وضمان أمنه. إن قرارات مثل 1559 و1701، التي تدعو إلى نزع السلاح غير الشرعي وحصره بيد الدولة، هي المفتاح لاستعادة لبنان دوره الطبيعي كدولة ذات سيادة قادرة على حماية شعبها وبناء علاقاتها على أسس متينة مع العالم.
كذلك، فإنّ تعزيز العلاقات الأخوية مع الدول العربية يمثل ركيزة أساسية لمستقبل لبنان، حيث تشكل هذه العلاقات عمقاً استراتيجياً واقتصادياً واجتماعياً يساهم في دعم استقراره وازدهاره. يجب على لبنان أن يعمل على استعادة الثقة مع أشقائه العرب، بعيداً عن أي تدخلات أو تحالفات إقليمية تضعه في مواجهة مع محيطه الطبيعي.
إنّ الالتزام بسياسة الحياد الإيجابي، وتنفيذ القرارات الدولية، وتوطيد العلاقات العربية، هي السبيل الوحيد لخروج لبنان من أزماته المتراكمة وبناء مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً. الشعب اللبناني يستحق أن يعيش في دولة قادرة على حماية سيادتها، وتعزيز وحدتها، والانفتاح على العالم، مع الحفاظ على علاقات الأخوة والمصالح المشتركة مع محيطها العربي.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الجيش يضبط المطار: نموذج سيعمم على كل لبنان | إرث لبنان المهدد بين نيران الصراع وصمت العالم | سياحة على وقع الحرب ضربات متتالية على الرأس |