تحت أي وصاية سيكون لبنان بعد إنتهاء الحرب
بات واضحاً أنّ التوجه الدولي يولي أهمية لإنتخاب رئيس للجمهورية خلال مهلة الـ 60 يوماً التي حددها إتفاق وقف إطلاق النار على أن يتولى الرئيس العتيد قيادة حوار وطني بغض النظر عن الإلتباس الذي أثارته عبارة “يراعي مصالح جميع اللبنانيين”. فهل تدعو فرنسا إلى التوافق على رئيس للبنان تقبل به إيران وحزبها المسلح، ووفق أي شروط؟ وهل وافقت أميركا ووافق العرب ودول حلف شمالي الأطلسي على رئيس للبنان يرضي شروط إيران؟
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”
-س- لماذا لم يطبق وقف إطلاق النار في لبنان بعد مرور أكثر من أسبوع على إعلان دخوله حيز التنفيذ؟؟
-ج- لأن اللجنة الخماسية التي ستشرف على تطبيقة وتنظر في مخالفاته لم تستكمل بعد شروط ممارسة مهامها.
-س- ولماذا يحتاج تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار المؤقت إلى لجنة من خمسة أطراف للإشراف على تنفيذه؟؟
-ج- لأن غالبية دول العالم العربية وغير العربية لا تثق بحياد وموضوعية المنظومة اللبنانية الحاكمة التي وقّعت على إتفاق لوقف إطلاق نار ليست هي طرفاً في إشعال النار المطلوب وقفها.
الحرب المستمرة منذ أكثر من 13 شهراً دارت على أرض لبنان بين حزب إيران المسلح المعروف بـ “حزب الله” وإسرائيل، لكن دولة لبنان، ممثلة بجيشه أو بأي قوة مسلحة قانونية تابعة لقيادة الجيش، لم تكن طرفاً فيها، ما يعطي الإنطباع بأن المنظومة الحاكمة الحالية هي مجرد ممثل لحزب الله في إدارة الدولة، ما يجعلها غير مؤهلة لإتخاذ قرارات موضوعية حيال تفاصيل تطبيق الإتفاق ومسار إزالة أي مخالفات يشكو منها أحد طرفي الحرب، إسرائيل أوحزب الله، أو أي شريحة مدنية لبنانية تعتبر نفسها متضررة من إجراء يتخذه أحد طرفي الحرب.
بإنتظار حل ألغاز كوكتيل التناقضات التي تميز ميدان القتال الفريد من نوعه على أرض لبنان يتكرر السؤال: من إنتصر ومن إنهزم في الحرب التي أشعلها أمين عام حزب الله الراحل حسن نصر الله في 8 أكتوبر العام 2023؟
الحروب عادة تنتهي بمنتصر ومهزوم. أما في لبنان فإتفاق وقف إطلاق النار المؤقت الذي دخل حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني علّق على حبال التكهنات ثلاث قوى مهزومة هي:
-1- إسرائيل، التي تقاتل وفق نموذج “الحرب القصيرة”، إنهزمت لأن مواجهتها مع حزب الله طالت زمنياً بإعتراف المسؤولين الإسرائيليين الذين قالوا إنها لم تحقق نتائجها، ما يستبطن توجهاً لإستئنافها إذا أُعلن عن إنهيار وقف إطلاق النار المحدد عمره بـ 60 يوماً، إما بصيغة شاملة كما كانت أو بضربات لأهداف متفرقة تعلن عنها مسبقاً أو من دون إعلان إذا كانت تقتصر على عمليات إغتيال كالتي قتلت يوم الثلاثاء الماضي سلمان نمر جمعة، ممثل حزب الله لدى القيادة العامة للقوات المسلحة السورية، ومنسق العلاقات بين الميليشيات التابعة لإيران ومخطط حملات تهريب الأسلحة والذخائر لحزب الله في لبنان.
ويتردد همساً أن شرائح لبنانية كانت قد تضررت من عمليات إغتيال إسرائيلية لقياديين من حزب الله إستخدموا الأحياء المدنية دروعا بشرية للتواري ضمنها ستعمد إلى نشر بيانات عبر الإعلام إذا شكّت بوجود أي منشأة لحزب الله ضمن بيئتها ما يحّمل السلطة اللبنانية الحاكمة مسؤولية التحقق من وجودها وإزالتها إذا إقتضى الأمر،وإلا فإنها ستُحمَل أمام الرأي العام المحلي والخارجي المسؤولية عن ما يصيب البيئة التي صدرت عنها الشكوى.
-2- المهزوم الثاني هو حزب الله لأن نموذج حرب الإستنزاف الطويلة الذي يعتمده فشل في تأمين سلامة وإحتياجات بيئته المدنية فأمضى وقته في بناء مصانع عسكرية ومستودعات أسلحة وذخائر وشق أنفاق، ولم يعتمد النموذج الفيتنامي الشمالي الذي أعدة الجنرال جياب الذي إعتبر أن قاعدة إنطلاق حرب الإستنزاف الطويلة هي تأمين المدنيين أولا، وبناء مستشفيات ومدارس وملاجي ومخازن أدوية وأغذية تحت الأرض يتبعها قتال إستنزافي طويل وفق معادلة “البنية الحربية تحت الأرض هي ملك المدنيين أولا، تليها خدمة المقاتلين.”
الجنرال الفيتنامي الشمالي فنجوين جياب هزم جيوش فرنسا واليابان وأميركا في بلده بربط المقاتلين بضمان مصير أهاليهم تحت الأرض ونفذ بعبقرية خطط تعدد الهجمات على العدو في وقت واحد ومن أبرز خططه عملية “تيت” على 100 هدف أميركي في وقت واحد ما فتح الطريق أمام الثوار لإقتحام عاصمة فيتنام الجنوبية سايغون وإنسحاب القوات الأميركية التي هزمت في 30 نيسان 1975.
تجربة حرب الإستنزاف الفيتنامية الشمالية الطويلة كانت نقيض تجربة حزب الله. الجنرال جياب الذي لم يدخل كلية حربية بل كان أشبه بعالم إجتماع لم ينفق ميزانية الحرب على المهرجانات والمظاهر بل كان يفاخر بأن جنوده “يقاتلون حفاة لأنهم ولدوا بأقدام من حديد” نتيجة إهتمامه بأهاليهم، فلم يقاتلوا فدا جياب بل عرفاناً بإهتمامه بعائلاتهم وإنتصروا على ثلاثة من أكبر وأقوى جيوش العالم.
3- المهزوم الثالث، أو سيد المهزومين، هو “الدولة اللبنانية” أي المنظومة الحاكمة بشقيها التشريعي ممثلا برئيس المجلس النيابي نبيه بري، والتنفيذي ممثلا بحكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي واللجنة الخماسية التي ستشرف على تنفيذ الاتفاق في لبنان وتضم الولايات المتحدة وفرنسا ولبنان وإسرائيل وقوات اليونيفيل.
المهزلة تكمن في أن اللجنة الخماسية التي يفترض أن تكون محايدة تضم أميركا حليفة إسرائيل، وفرنسا حليفة إيران وإسرائيل المحاربة وقوات اليونيفل المحايدة ودولة لبنان التي ليست طرفاً في الحرب لكنها لا تضم حزب الله المحارب، وبالتالي لا تملك، كما أسلافها، أي قدرة على وقف أيّ إختراق للقرار الأممي 1701 الذي لم تتمكن الدولة اللبنانية من تطبيقه ومنع الخروج على مندرجاته ولا مرة واحدة منذ إقراره في العام 2006 .
فمن سيحقق في الشكاوى ومن سيوقف الإختراقات؟؟
لا يتوفر أي جواب معلن حتى الآن، إلا أن مصدراً مطلعاً على أجواء وسطاء اتفاقية وقف إطلاق النار المؤقتة كشف أن السلطة اللبنانية وافقت على شرط أميركي بناء على إصرار إسرائيلي لنشر عدد من الضباط الميدانيين الأميركيين “حيث تقتضي الضرورة للإشراف على تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار المؤقت وملاحقة إزالة المخالفات، سواء التي ترصدها اللجنة أو التي تتلقاها بشكاوى من القوتين المتقاتلتين أو من أطراف لبنانية متضررة على أن يتم الإعلان عن الإجراء الذي إتخذ في صدد الشكاوى.”
وكشف المصدر أنّ نشر المراقبين الأميركيين وافق عليه لبنان بإمتعاض لأنه كان الشرط إسرائيل الأخير لتنازلها عن مطالبتها بحرية الحركة في لبنان لمواجهة ما تعتبره نشاطات مسلحة “مشبوهة” لحزب الله.
ونظراً لإلتباس آلية تنفيذ قرار وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701 شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن “تنفيذ الطرفين جميع التزاماتهما يكتسي أهميةً جوهريةً، ويسري ذلك على حزب الله وإسرائيل على حد سواء.”
ودعا في مقابلة صحافية المجتمع الدولي إلى “حشد جهوده بغية دعم القوات المسلّحة اللبنانية التي تمثل جزءاً جوهريًا في هذا الاتفاق.”
وأعرب ماكرون عن أمله في أن تكون دعوة الرئيس بري البرلمان إلى الإنعقاد في 9 كانون الثاني المقبل لإنتخاب رئيس للجمهورية “حاسمة وأن تتيح للبنان إنهاء الأزمة المؤسساتية التي تجاوزت السنتين من الشغور الرئاسي. وبات لبنان بأمسّ الحاجة لرئيس قادر على قيادة حوار وطني يراعي مصالح جميع اللبنانيين.”
بات واضحاً من حرفية ما قاله ماكرون أن التوجه الدولي يولي أهمية لإنتخاب رئيس للجمهورية خلال مهلة ال 60 يوماً التي حددها إتفاق وقف إطلاق النار على أن يتولى الرئيس العتيد قيادة حوار وطني بغض النظر عن الإلتباس الذي أثارته عبارة “يراعي مصالح جميع اللبنانيين.”.
فهل تدعو فرنسا إلى التوافق على رئيس للبنان تقبل به إيران وحزبها المسلح ، ووفق أي شروط؟
وهل وافقت أميركا ووافق العرب ودول حلف شمالي الأطلسي على رئيس للبنان يرضي شروط إيران؟
قد يكون الجواب عند من ينتصر في المواجهة الحالية في سوريا التي ستقرر مصير نفوذ إيران خارج حدودها المعترف بها دولياً.
مواضيع مماثلة للكاتب:
من سيكون الراعي الجديد للمنطقة؟ | لا يطلب وقف النار إلا الخاسر | هديتان من سوريا في نفس اليوم |