لبنان في مهب الحرب والسلام: صراع السلاح ومصير الدولة
أثارت الحرب بين “الحزب” وإسرائيل جدلًا واسعًا حول انعكاساتها على الداخل اللبناني، بين من اعتبرها مغامرة عسكرية مكلفة ومن رأى فيها انتصارًا للمقاومة. ورغم توقفها باتفاق وقف إطلاق النار، تركت هذه الحرب تساؤلات عديدة حول مستقبل البلاد واستدامة الاستقرار
كتب جوني فتوحي لـ”هنا لبنان”:
شكلت الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل محطة فارقة في تاريخ الصراع الإقليمي، حيث أظهرت مدى تعقيد المشهد السياسي والعسكري في لبنان وتأثيره المباشر على استقراره الداخلي. فمنذ إعلان “حزب الله” الحرب في 8 تشرين الأول، تصاعدت تداعياتها لتطال مختلف المناطق اللبنانية، مخلّفةً دمارًا واسعًا، خصوصًا في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، مما أثار جدلًا واسعًا حول جدوى هذه المغامرة العسكرية التي خاضها الحزب بمعزل عن الدولة اللبنانية.
في المقابل، يرى البعض أنّ هذه الحرب نجحت في إفشال أهداف إسرائيل الاستراتيجية، معتبرين أنّ عدم تحقيق إسرائيل لأهدافها يُعد انتصارًا للمقاومة، رغم حجم الخسائر التي تكبدها لبنان وشعبه. وبين هذا الجدل، برز اتفاق وقف إطلاق النار كخطوة هامة، لكنه يفتح باب التساؤلات حول استدامته وقدرته على فرض الاستقرار الدائم، في ظل ارتباطه بالقرارات الدولية وإشكالية السلاح غير الشرعي.
جبور: إيران انتهكت السيادة اللبنانية
في هذا السياق، قال رئيس جهاز التواصل والإعلام في حزب “القوات اللبنانية” شارل جبور: “حزب الله خرج خاسرًا من الحرب التي أعلنها في 8 تشرين الأول. وقد أدت خسارته إلى تدمير وإضرار بجميع المناطق، تحديدًا المناطق الشيعية التي تحولت إلى مناطق منكوبة بسبب مغامرته المسلحة التي خاضها بمعزل عن الدولة. طبعًا، النتيجة العملية لهذه الحرب هي الوصول إلى وقف إطلاق النار الذي وافق عليه. وهذا النص يقول بوضوح في بنوده إنه لا سلاح في لبنان إلا سلاح الشرعية، وعلى حزب الله أن يتوقف عن استخدام سلاحه، وأصبحت كل حدود لبنان مضبوطة لبنانيًا ودوليًا”.
وأضاف: “حزب الله خرج خاسرًا، وأي محاولة جديدة ستؤدي إلى تدمير نفسه وبيئته ولبنان برمته. عليه أن يوقف استخدام سلاحه الذي استجلب الويلات والكوارث على لبنان.
وبالتالي، نأمل أن يكون وقف إطلاق النار وقفًا دائمًا تمهيدًا لبناء دولة فعلية، وهي الدولة التي لم تُبنَ بسبب الانقلاب السوري-الإيراني على اتفاق الطائف منذ عام 1990”.
وعن شرق أوسط جديد بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، علّق جبور قائلًا: “من الواضح أن هناك إصرارًا أميركيًا على الحد من دور إيران. هذا الدور الإيراني هو دور مزعزع للاستقرار الإقليمي، ومن الواضح أن إدارة ترامب ستضع حدًا لهذا الدور التخريبي. المستفيد الأول من وضع حد لهذا الدور هو لبنان، الذي عانى الأمرين من دور إيران التي استباحت وانتهكت السيادة اللبنانية واستخدمت لبنان كورقة من أوراقها، ما أدى إلى إبقاء لبنان مشلولًا وتركه في وضع مأساوي منذ عام 2005 إلى اليوم”.
وحول الاستحقاق الرئاسي، قال: “حركة الاتصالات الرئاسية بدأت، والأولوية في هذه المرحلة هي إعادة تكوين سلطة جديدة، بدءًا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية على قاعدة التزام هذا الرئيس بثلاثية أساسية: الدستور اللبناني، القرارات الدولية، ونص قرار وقف إطلاق النار. المطلوب في هذه المرحلة أن يكون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ملتزمين بهذا السقف من أجل إخراج لبنان من أزماته المستمرة منذ 60 عامًا إلى اليوم”.
عبد الساتر: حزب الله أفشل أهداف إسرائيل
وفي تقييمٍ للحرب، أشار الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر في حديث لـ”هنا لبنان” إلى أنّ “الحرب تُعتبر انتصارًا بحال عدم تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها العدو الإسرائيلي. طبعًا، هذا الأمر قد يثير بعض الكلام هنا وهناك، لكن الحرب دائمًا تُقيَّم بالأهداف. وعندما لم تتحقق الأهداف، فهذا يعني أنك لم تنتصر. وبالتالي، إسرائيل لم تنتصر، وحزب الله أفشل الأهداف. بهذا المعنى، يصبح حزب الله هو المنتصر، رغم أنّ الخسائر والأثمان كانت كبيرة”.
وأضاف: “يمكن أن نقول إنّ العدو الإسرائيلي استطاع أن يفصل لبنان عن جبهة غزة، لكن هذا ما كان ليقبله حزب الله لولا أنّ الحرب تحولت إلى حرب على لبنان. أصبح الأمر مختلفًا، حيث كانت الأولوية إيقاف العدوان على غزة، وبعد ذلك تحولت الأولوية إلى وقف العدوان على لبنان. هذا الأمر كان فيه مصلحة كبيرة وضرورة أن يقف العدوان على لبنان، وهو ما لم يكن ليتم لولا هذا الاتفاق”.
وعن احتمال وقف إطلاق نار دائم، لفت عبد الساتر: “وقف إطلاق النار يتبعه إجراءات عملية بما يخص القرار 1701 والآليات التنفيذية. الآن، لا أحد يستطيع أن يجزم بأننا وصلنا إلى نهاية المطاف بهذا الأمر، وأن الإسرائيلي قد يؤمّن جانبه. لكن هذا الاتفاق ملزم للطرفين، ومن يخرق الاتفاق الآن سيكون معرضًا للمساءلة والمطالبة بتنفيذه من قبل اللجنة التي ستتشكل في الساعات القليلة المقبلة بعد وصول الجنرال الأميركي والفرنسي، العضوين في هذه اللجنة، بالإضافة إلى اللبناني والإسرائيلي والأمم المتحدة. هذا ليس هدنة أو شيئًا آخر، بل اتفاق لوقف إطلاق النار، وعادةً ما يتبعه جملة من الإجراءات لكي يصبح وقف إطلاق النار دائمًا أو ما يشابه ذلك”.
وعن خشية البعض من توجيه السلاح إلى الداخل، قال: “هذه الخشية موجودة فقط في رؤوس البعض، لأجل تحقيق أهداف معينة. لو كان حزب الله يريد استغلال هذا السلاح في الداخل، أعتقد أن الفرصة الأنسب والأهم كانت في تاريخ 2000، ولم يفعل هذا الأمر. بالعكس، حتى على العملاء لم يمارس أي شيء من هذا النوع، وترك الملف للدولة اللبنانية. في عام 2006، كان باستطاعته بعد الحرب أن يفعل ما يشاء، لكنه اختار الاعتصام أمام السراي الحكومي سنتين ونصف دون أن يكون هناك أي تغيير في طريقة العمل السياسي في لبنان. صحيح أن البعض قال إنه عطّل انتخاب رئيس الجمهورية، لكنه عمليًا لم يغيّر أي شيء في طبيعة المواقف السياسية”.
وعن ملف رئاسة الجمهورية، أشار عبد الساتر إلى أن: “من الآن حتى 9 كانون الثاني هناك فرصة زمنية لا بأس بها لإجراء مشاورات تحت الطاولة أو فوقها. يمكن عقد لقاءات بين الكتل والتنسيق فيما بينها حول طبيعة المرشح القادم. لكن الأرجح أن الأمور تتجه نحو مرشح لا يكون محسوبًا على أي من الطرفين المتخاصمين أو المنقسمين. فهل تأتي شخصية وسطية بينهما؟ هذا مرهون بطبيعة الاتصالات التي ستجري. ما يهمنا الآن هو أن نخطو خطوة إلى الأمام وننتخب رئيسًا للجمهورية”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لبنان وسقوط النظام السوري: ما القادم؟ | لبنان بين تحديات السيادة وصراعات المنطقة: “رؤية لاستقرار مستدام” | الجيش يضبط المطار: نموذج سيعمم على كل لبنان |