سقوط المستبدة
كتب محمد نمر في “لبنان الكبير”:
عندما يبدأ القلم بتأريخ “العهد القوي”، لن يستطيع القفز فوق “ظاهرة غادة عون القضائية”. فبـ”شحطة قلم” ومن دون إنجازات أو “إحّم” أو “دستور”، انتقلت هذه السيدة مع بداية عهد الرئيس ميشال عون من رئيس لمحكمة جنايات في البقاع، إلى نائب عام استئنافي في جبل لبنان، ومحطّ جدل بين القضاة، خصوصاً بعدما تحولت بعد تعيينها إلى قاضية “تصفية الحسابات” لمصلحة عون وتياره، لتنتهي رحلتها على أحد مقاعد “غرفة العزل” الخاصة بـ”العهد القوي”، إلى جانب رئيس الجمهورية وصهره اللذين عطّلا التشكيلات القضائية فقط كرمى لعينيها.
القرار “الذكي”
بعدما خطّ مجلس القضاء الأعلى، وللمرة الأولى، وبمعارضة عضوي المجلس القاضيين إيليان صابر وهيلانة اسكندر القريبين من “التيار الوطني الحر” خطاً أحمرَ تحت كلمة “قضاء مستقل”، طالباً من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ومن رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، اتخاذ الإجراءات بحق عون، وذلك ضمن اختصاص كل منهما. أصدر أمس عويدات قرارًا ذكياً، يصوّب صورة القضاء ويحميه من المتجاوزين، يقضي بتوزيع الأعمال في دوائر النيابات العامة الاستئنافيّة في جبل لبنان.
وتمّ توزيع المهام على الشكل الآتي: جرائم الإتجار بالمخدرات وترويجها للقاضي سامي صادر، الجرائم الماليّة الهامة للقاضي سامر ليشع، جرائم القتل للقاضي طانيوس السغبيني.
وبموجب هذا القرار “يقتضي على جميع قضاة النيابة العامة في جبل لبنان، بمن فيهم النائب العام لديها، إحالة ملفات الجرائم غير المشهودة التي لا تزال قيد النظر لدى النيابة العامّة إلى القضاة المذكورة أسماؤهم. كما يقتضي على القضاة المذكورة أسماؤهم أعلاه أن يبلغوا القاضي عويدات بجميع الجرائم الخطرة. ويقتضي على جميع الأجهزة الأمنية بصفتها ضابطة عدلية مساعدة التقيّد بأحكام هذا القرار، ويُلغى أي قرار مخالف له”.
فأين الصواب في القرار؟
سبق وأصدر عويدات في فترة سابقة قراراً بوقف مهام عون، لكن مجلس القضاء الأعلى اعتبره قراراً مخالفاً للقانون، لأن النائب العام التمييزي لا يستطيع عزل نائب عام، وأن توقيفها عن العمل يحتاج إلى مجلس تأديبي وقرار من التفتيش القضائي، فضلاً عن المواجهة التي تعرّض لها عويدات، بعدما استخدم العونيون سلاح الطائفية لتحويل القضية إلى “قاضي سني يريد أن يوقف عمل قاضية مارونية”، بينما الحقيقة أن هناك قاضية تجاوزت كل الأصول وضرب سمعة القضاء بعرض الحائط. عاد وتراجع حينها القاضي عويدات عن القرار. أما اليوم وبعد قرار مجلس القضاء الأعلى وتوقيع رئيس المجلس سهيل عبود، وأمام عدد الشكاوى في حق عون، تفادى عويدات الوقوع في الخطأ نفسه. وبدلاً من وقف إشارات عون للضابطات العدلية، وزّع عويدات المهام الملقاة على عاتقها على قضاة آخرين، هم ثلاثة محامين عامين موارنة، ليسحب بذلك فتيل اللعب على الوتر الطائفي. فضلاً عن أن القضاة وبالتسلسل القضائي هم الأعلى رتبة بعد عون، وقانونياً بدلأً من قرار وقف مهامها، عزل عويدات عون وعطّل محرّكاتها.
غزو شركات “مكتّف”
قرار مجلس القضاء الأعلى أثار غيظ عون، فهي كما يبدو لا تعترف بهذا المجلس ولا برئيس أو مرؤوس في القضاء. واستيقظت على ردة فعل، طُرحت حولها تساؤلات حول مدى توازن المرأة. فبعدما كفّ عويدات يدها عن الملفات التي تخيّط فيها “الحسابات العونية”، أصرت على خياراتها، ونصّبت نفسها “قاضية القضاء”، ليستيقظ اللبنانيون على “إنزال”، نفذته عون على شركات ميشال “مكتف”، مصطحبة معها قوة ضاربة من “أمن الدولة”، وبدأت بعملية “الغزو”، ليسارع عويدات ويذكّر مدير الجهاز بأنه جرى توزيع المهام ولم تعد إشاراتها في هذا الملف محضر تنفيذ، فسحب صليبا قوة “أمن الدولة”، ورغم ذلك، “ركب السن الأعوج” مع عون وأصرت على البقاء في الشركة برفقة حمايتها الشخصية.
نوح زعيتر وغادة عون
وأتت مداهمة شركات مكتف، بعد خبر أشبه بنكتة من “نكات عون”. فمن المعروف أن نوح زعيتر مطلوب بعشرات مذكرات التوقيف، وإلى اليوم لم تستطع الدولة أن توقف أعمال هذا الرجل. وآخر نهفاته أنه تقدم عبر محاميه أشرف الموسوي بدعاوى ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لعدم استطاعته الحصول على أمواله من المصارف. المثير للدهشة أن عون وافقت على شكواه وقامت بالادّعاء على سلامة وحوّلته إلى القاضي نقولا منصور. فكيف لقاضية أن تلبي شكوى مطلوب للقضاء؟
ميزان مخدرات
من القصص التي تثير الدهشة أيضاً، ما هو مرتبط بنجل نائب رئيس “التيار الوطني الحر” منصور فاضل. فخلال تواجدها في مطار بيروت، وقبل إقلاع طائرتها إلى ألمانيا، وصل إلى عون إشارة بوجود شخص لديه ميزان دقيق. ويدرك خبراء القانون والأمن أن هكذا ميزان لا يستخدم إلا للمخدرات، وحكماً ضبطه يعطي للنائب العام الحق بطلب توقيف حامله. ولم تكن عون تعرف أن صاحب الميزان هو نجل فاضل، فأصدرت إشارة توقيفه وأقلعت طائرتها. وما إن وصلت ألمانيا حتى لاحظت أن الاتصالات تنهال على هاتفها، من وزراء ونواب عونيين، يطالبونها بالإفراج عن نجل فاضل. فتحججت بعدم معرفته قبل إصدار إشارة توقيفه. ولأن القاضي لا يستطيع أن يصدر إشارته إذا كان خارج البلاد، اتصلت بمحامين عامين ليتواصلوا مع مفرزة انطلياس وطلب الإفراج عن نجل فاضل، لكنهم كانوا يتراجعون عن الأمر فور معرفتهم أن الأمر يرتبط بميزان دقيق. فطلبت من هناك وضع إشارتها للإفراج عنه، وهو أمر مخالف للقانون. وبعد خروجه وتطور الملف، لم يستطع المحامي العام وهو عوني أيضاً أن يغطي الأمر، خصوصاً بعدما باتت القضية أشبه بالفضيحة، فعاد وادعى على نجل فاضل بجناية الترويج.
قاضية الزفاف
ولأن بكل “عرس” الها “قرص”، لمعت تجاوزات عون في فترة الإغلاق والحجر المنزلي ومنع التجمعات، بتدخلها للسماح بقيام حفل زفاف فاليري أبو شقرا، في ذروة انتشار “كورونا”. حينها اتصلت بالضابط سعد كيروز تهدده بتوقيفه إذا لم يسمح بإكمال حفل الزفاف، فعاد الضابط إلى رئيسه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان الذي طلب من الضابط تنفيذ قرارات وزارة الداخلية. فعادت واتصلت عون بعثمان، مهددة اياه بمحاسبته إذا لم يفتح الحفل. لم يتم الأخذ بتهديداتها وأوقف عثمان حفل الزفاف بناء للقرارات الصادرة عن الحكومة.
غادة عون وعلي ابراهيم
منذ نحو شهر انطلق تحقيق في ملف مالي في مطار بيروت، ويحقق فيه ضابط بإشارة من النائب العام المالي علي ابراهيم، فاتصلت عون بالضابط وسألته عن سبب توليه التحقيق، فأوضح لها أن الأمر بناء على إشارة من ابراهيم، لأن الملف مالي ويرتبط بأموال عمومية. طلبت منه عون عدم التعامل مع ابراهيم والأخذ بإشارتها بالموضوع، واذا لم تفعل “سأصدر القرار بتوقيفك”. شعر الضابط بحالة إرباك، فاتصل بابراهيم الذي بدوره عاد واتصل بعويدات شاكياً على عون، فقام عويدات بوضع إشارته مع إبقاء الملف مع ابراهيم. عادت واتصلت عون بالضابط موبخة إياه: “من سمح لك أن تتصل بالقاضي ابراهيم… سأحاسبك”.
شيك على سعر 3900؟
ومن القضايا التي أثارت الجدل أيضاً، ادعاؤها على شخص حرّر شيكاً بلا رصيد. فما كان من صاحب الشيك إلا أن توجه إلى المخفر ليودع قيمة الشيك البالغة 10 آلاف دولار، فوضع 15 مليوناً و150 ألف ليرة لبنانية، ومن المفترض أن يتم السماح له بمغادرة المخفر، فاتصل الضابط ليأخذ من عون إشارة إخلاء السبيل، فرفضت ذلك، قائلة له: “الدولار عندي 3900 وإما أن يدفع 39 ميلوناً أو سيبقى محتجزاً”، فيما معروف أن سعر الدولار لا يزال رسمياً على 1500 ليرة، فعاد الضابط وراجع عويدات الذي أعطى له إشارة إخلاء السبيل على قاعدة أن لا قرار رسمياً بعد بتغيير سعر صرف الدولار.
ملفات وشكاوى بالجملة
على غادة عون ملفات عدة وأكثر من 25 شكوى. ورغم ذلك ترفض المثول أمام القضاء، فضلاً عن محاولات من القضاة مستمرة لدفع رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد إلى القيام بواجبه، والنظر في الشكاوى في حقها، وإحالتها إلى المجلس التأديبي إذا تطلب الأمر. لكن عون رفعت راية عدم المثول أمام كل الجهات القادرة على محاسبتها.
ومن الدعاوى والشكاوى المرتبطة باسم غادة عون: دعوى من أحد المحامين بحقها بتهمة تزوير محضر لدى القاضي نقولا منصور، وطلب حينها القاضي عويدات حضورها ورفضت المثول أمامه. دعوى من نقولا فتوش أيضاً بتهمة التزوير. دعوى جزائية من هدى سلوم بقضية حجز حرية من دون ملف وهذه تعتبر جناية. دعوى النائب هادي حبيش بتهمة القدح والذم بحق عون. دعوى من أنطون الصحناوي وأخرى من مكتف… هذا موجز عن إنجازات القاضية عون، ويبدو أن النائب حبيش كان على حق في ردة الفعل التي انتُقدت حينها من دون أن نعود إلى تفاصيل الدعوى والتجاوزات التي تقوم بها عون… على عينك “يا قضاء”!
مواضيع ذات صلة :
غادة عون تصرخ في قصر العدل! | مرجع قضائي لـ”هنا لبنان”: موقف القاضية عون ضعيف وفريقها السياسي سيتخلّى عنها | مولوي يدعو لعدم مؤازرة القاضية غادة عون ولعدم تنفيذ ما يصدر عنها |