“الحزب” يفكّر… والباقون يتحمرنون!
مع سقوط الأسد، سقطت كل الأسباب التي تمنع قيام دولة حقيقية في لبنان. وفي وقتٍ ينهمك فيه الحزب بتحويل خساراته إلى انتصارات، يبدو الآخرون غارقين في كوما سياسية مقرفة، عاجزين عن استغلال لحظة التغيير المنتظرة
كتب جوزف طوق لـ “هنا لبنان”:
“خلص”… يكفي احتفالات بسقوط نظام الأسد في سوريا، ولا بدّ من الالتفات إلى لبنان قبل أن يسقط هو الآخر وسط الأفراح العامرة، فيما يمرّ قطار المتغيّرات الإقليمية بسرعة، ويتحضّر حزب الله لحجز مكان له في مقصورة القيادة، وأمّا الباقون فسيقطعون لهم تذاكر في الدرجة الثالثة أو على الأرجح سيضعونهم في مقطورة البضائع.
دعونا لا ننشغل ونندهش كثيراً بما حصل خلف قضبان السجون السورية، لأنّ إطلالات أمين عام حزب الله تنذر بسجن لبنان مجدداً في معتقل الأيديولوجيا الإيرانية، خاصة أنه لم يتبقّ من الجمهورية سوى حزب يحوّل الهزيمة تلو الهزيمة إلى انتصارات متراكمة، وطبقة سياسية بأكملها لا تعرف كيف تنتهز الفرص التي تتساقط عليها من كل حدب وصوب. ولا بدّ من الاعتراف أن أقوى تكتيك لدى الحزب هو الانتصار مهما كانت النتائج ومهما بلغ حجم الخسائر العسكرية والبشرية والعمرانية. ولمَ لا، وهو الفاهم بحمرنات الآخرين السياسية كيفما دارت الرياح!
وللأسف البالغ والشديد والمرير، المشهد اللبناني هو كالآتي: حرب إسرائيلية مدمّرة، خسارة حزب الله معظم ترسانته العسكرية، مقتل أمينه العام وقيادييه العسكريين، إنقطاع شريانه السوري الأساسي، توقيع مذلّ على وقف لإطلاق النار، فضح أكذوبة محور المقاومة… وما زال نعيم قاسم يطلّ بخطابات الانتصارات الإلهية والإنجازات الملائكية، مطلقاً الوعود والتهديدات، فيما يرقد الآخرون، وجميعهم من دون استثناء، في كوما سياسية مقرفة.
ومن الواضح أن حزب الله يفكّر والباقون يتحمرنون! حتى أنه لا يوجد واحد فيهم يملك ما يكفي من الجرأة والبعد الوطني للخروج على الناس بخطاب يغسل الوساخة الإيرانية عن القرار اللبناني، بعد كل التطوّرات التي هبطت من السماء حتى يكون هناك أمل بتغيير لطالما انتظره اللبنانيون، بعد كل ما ذاقوه منذ أيام الحرب الأهلية المفروضة بالقرار “الأسدي” وبعد كل انقساماتهم المرسومة بالقرار “الأسدي” وبعد كل شرذمتهم المدسوسة بالقرار “الأسدي”.
ومع سقوط الأسد، سقطت كل الأسباب التي تمنع قيام دولة حقيقية في لبنان، ولكن الحمرنات في السياسة لا تصنع البلدان، ولكنها تسمح للحزب الذي كان ممسكاً بالقرار اللبناني منذ أكثر من 20 عاماً، أن يستمرّ في عنجهيته وإطلاق وعوده، بعد كل الخسارات التي مني بها، والانكسارات التي هبطت على رأسه.
هؤلاء الآخرون الذين يدّعون البطولات في معارك الحرية والاستقلال، اختفى حسّهم عندما حانت ساعة الاستحقاق الفعلي، واختبئوا في جحورهم عندما انقطع رأس الوحش الذي كان قابضاً على قراراتهم في الشام.
وما بين إعلان وقف إطلاق النار في لبنان في 27 تشرين الثاني وسقوط الأسد في 8 كانون الأول، مرحلة لم يكن يحلم بها رفيق الحريري وجبران التويني ووسام الحسن، ولا حتى كان يتوقعها كمال جنبلاط وبشير الجميل ورينيه معوّض… ولكن أولئك الذين قتلوا في أيام الاحتلال السوري، لم يتركوا خلفهم سوى صبية يلعبون بالقرارات السياسية ولا يعرفون كيف يستثمرون كل تلك العذابات والدماء والتضحيات في بناء دولة استشهد من أجلها كثيرون.
كل أولئك الذين سقطوا على مذبح تحرّر لبنان من الوصاية الشامية، لم يتوقعوا أن لا يجدوا شخصاً واحداً في لبنان يعتلي المنابر ويقود التحرّكات الشعبية بعد زوال النظام السوري المجرم بحق اللبنانيين… ولا يشرّفهم أن تكون خليفتهم مجموعة من السياسيين العالقين في التسويات والتسميات التوافقية.
حزب الله خسر هنا وهناك وفي كل مكان، ولكن يبدو أنه ينشط الآن لاستثمار هزائمه كالعادة انتصارات في السياسة واللعبة الداخلية، فيما يراهن على حمرنات الآخرين غير المتناهية في السياسة.
فهل يا ترى، يسعى الحزب الآن إلى بيع الأميركيين ورقة وقف إطلاق النار، مع تقديم وعود بعدم إثارة أي “وجعة راس” على حدود إسرائيل الشمالية، وعدم التدخّل في الشؤون السورية مهما حصل هناك، وعدم إثارة أي توترات لبنانية داخلية، ليقبض بثمن كل هذا دوراً سياسياً وازناً بعد العزلة المفروضة عليه في الجغرافيا وبعد خساراته الكبيرة في التاريخ؟
ولكن السؤال: هل سيحصل الحزب على أي شيء من هذا؟ وهل سيضمن بقاءه ومن ثم ازدهاره سياسياً؟ نعم، من المرجّح أن يحصل على أكثر مما طلبه بكثير، ليس من كرم الأميركيين، ولكن من كثرة حمرنة باقي السياسيين اللبنانيين الذين قدّموا استقالتهم من وظيفة التفكير وارتضوا بمناصب مقاولين طائفيين ينتظرون “تلزيمة” زفت أو باطون، بينما الحزب ينهمك بالتفكير في كيفية فرض خساراته انتصارات على جماعات مسيحية وسنيّة ودرزية لم تعد تجيد سوى الهزائم والرقص فوق قبورها.
مواضيع مماثلة للكاتب:
بالبيجاما ننتصر… بين الأسد وميشال عون! | انتصر الحزب وانكسر الشيعة | نعيماً يا قاسم! |