الشرق الأوسط بين الفوضى وإعادة الإعمار

ترجمة هنا لبنان 1 كانون الثاني, 2025

كتب Charles Chartouni لـThis is Beirut:

المشهد الإقليمي لا يبدو مُطَمئناً: لا خواتيم لأيّ من الأحداث السياسية والعسكرية بعد.. ولا حسم للقضايا الجيوستراتيجية والسياسية. ويترجم هذا الغموض على الأرض في أكثر من مكان. الوضع في سوريا رهينة التجاذبات الحادة بين نفوذ الفصائل السياسية والصراعات الإقليمية، وعدم الاستقرار المتفشي. أما لبنان فيعيش حالة من الجمود، عاجزاً عن الانتقال إلى حقبة ما بعد حزب الله، وتحديد معالم الإجماع الوطني البديل للشروع في إعادة الإعمار.
أما إيران فتعيش في قوقعة الإنكار وتصرّ على عكس السردية. وذلك للتّهرب من العواقب الكارثية لسياساتها التخريبية وفقدانها موطئ قدمها في الشرق الأدنى. وبالتوازي، لا توفر إسرائيل جهداً لتدمير المنصات التشغيلية على امتداد المنطقة الجيوستراتيجية بين الشرق الأدنى واليمن. وفي الوقت نفسه، تسعى تركيا جاهدة لحماية حدودها والقضاء على الحكم الذاتي الكردي في سوريا مع التركيز على توسيع مناطق نفوذها والسيطرة على الحركات الجهادية.
وفي الأصل، لم تأتِ سيطرة هيئة تحرير الشام على سوريا سلسة فحسب، بل أذنت بمرحلة جديدة من عمر الحركات الإسلامية وأعادت صياغة سرديتها بعيدًا عن التعريف التقليدي للدولة الإسلامية القائمة على “الأمة” مقابل الدولة الإقليمية وأدواتها. وهذا ما ترجمه خطاب أحمد الشرع الذي ركز على الاختلافات النظرية والسياسية بين الاثنين وجعلها أساساً لبرنامج حكمه.
وعكس البرنامج السياسي للشرع بعض التغييرات النموذجية المميزة. فأكد على السيادة الوطنية وخصائصها، والتعددية المجتمعية والسياسية، والشروط الدستورية النابعة من الوفاق الوطني والتفاوض على السلام مع إسرائيل. وبذلك، كسر العقيدة التقليدية للحركات الإسلامية والأنظمة الاستبدادية العربية ونأى بنفسه عن إرثها المرير ونتائجها الكارثية. كما أبعد نفسه عن العواقب الكارثية للعداء التاريخي بين الشيعة والسنة وعن استغلاله في الصراعات المعاصرة.
تصريحات الشرع السياسية المبتكرة إلى حد كبير، ستخضع في المستقبل القريب والبعيد لاختبار تعقيدات الواقع. وهي تتناقض بشكل كامل مع خطه في الماضي وتعكس تحولاً فكرياً وسلوكياً كبيراً.
وحتى اللحظة، يبدو أنّ الشرع حصد بعض النجاح في محاولاته توحيد التشكيلات الإسلامية وحلّ الجماعات شبه العسكرية. وتدفع هذه المحاولات باتّجاه المزيد من المفاوضات مع المعارضة غير الإسلامية والأكراد والعلويين والمسيحيين التي تبحث عن أدلة سياسية أكثر إقناعاً في سياق الأمن الوجودي والديمقراطية والتعددية. وتطرح الكثير من التساؤلات حول هذه القضايا في ظل سياسات القوة المتصادمة (التركية والإيرانية والقطرية والسعودية)، والنزعة العرقية السياسية (العلويين والأكراد والدروز)، الشعور المتأصل بانعدام الأمن في المجتمعات المسيحية.
كما لا يمكن تجاهل حجم التحديات ونطاقها المتزايد والتعامل معها بسهولة، في ظل انعدام الأمن الشامل وغياب الاستقرار. وأوكلت لما عرف بالمؤتمر الوطني مهمة ضخمة: تمهيد الطريق للإطار المناسب لحوار مثمر وديمقراطي يوجه سوريا نحو المستقبل. ولا شك بأن التهديدات الأمنية معقدة للغاية وقد تعرض عملية التطبيع برمتها التي تخطط لها القيادة الناشئة للخطر. ويتوجب على أحمد الشرع إثبات جدارته والحفاظ على الأمن الاستراتيجي لسوريا، والمضي قدماً في تحقيق أهدافه السياسية تدريجياً وبثبات إذا أراد تخطي العقبات أمام مشروعه.
أما في لبنان، يكتنف المشهد السياسي غموض كبير في ظل استمرار حالة الحرب المعلقة وتصاعد هيمنة السياسات الطائفية الشيعية، مما يثير التساؤلات حول السيادة الوطنية والتعددية والديمقراطية التوافقية. كما تسهم هيمنة الأوليغارشية السياسية والتحصينات الطائفية في إضعاف الثقافة السياسية التوافقية وإضعاف الدولة الدستورية واستقلالها القانوني، لتحل محلها دولة استغلالية. وسلطت الأزمة المالية والنهب الممنهج للموارد العامة والخاصة الضوء على هذا الواقع المتأزم.
ويعدّ الشغور الرئاسي وتعطيل عمل البرلمان وانهيار الحكم الدستوري من العوامل الرئيسية التي أدت لتقييد السيادة الوطنية وانتشار عدم الاستقرار السياسي وزيادة تعرض البلاد لسياسات القوى الإقليمية وتداعياتها المدمرة، المتمثلة بشكل خاص في الحروب التي يخوضها حزب الله. وبالنتيجة، يحتاج لبنان لعقد مؤتمر وطني شامل يهدف إلى إصلاح مؤسساته وإعادة صياغة الأسس الوطنية، التي تأثرت بشدة بسبب التداعيات الطائفية والسياسات الإقصائية.
ولن يتمكن لبنان من التغلب على نقاط ضعفه البنيوية ما لم تُستعد أسس الدولة ويتتم إعادة تأهيل مكانته على الساحة الدولية. ويتعارض استمرار هيمنة سياسات القوة الشيعية وسعيها لتعويض خسائرها العسكرية واستعادة نفوذها السياسي بشكل تام مع أي تصور للتوافق المدني أو التكيف السياسي أو الإصلاح الهيكلي أو السلام مع إسرائيل.
ومع الأسف، لا تزال هذه المتطلبات الأساسية غائبة عن أي ديناميكية جديدة قد تسهم في انتشال لبنان من أزماته القديمة. بالإضافة إلى ذلك، يجب ألا ننسى أنّ سياسات النفوذ الإقليمي الإيراني والتركي والقطري لا تُسهم بأي شكل من الأشكال ببناء دولة حقيقية، أو بالقضاء على التطرف الإيديولوجي، أو تعزيز المصالحة الوطنية. وبدلاً من تقديم الحلول، تضيف هذه السياسات المزيد من التحديات أمام مسار التعافي وبناء المستقبل للبنان.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us