القرضاوي يضع لبنان بين مطرقة مصر وسندان تركيا
كسر الإرادة المصرية الإماراتية له أثمان سياسية ومالية مع حاجة لبنان إلى الدعم العربي خصوصاً الخليجي لإعمار ما هدمته الحرب وعودة لبنان إلى الحضن العربي، وفي المقلب الآخر تجاهل التحذير التركي له أثمان سياسية، خصوصاً وأنّ أنقرة تلعب دوراً طليعياً في حماية لبنان من تداعيات التحولات التي تشهدها المنطقة
كتب يوسف دياب لـ”هنا لبنان”:
تحوّل توقيف المعارض المصري عبد الرحمن القرضاوي، نجل الداعية الراحل يوسف القرضاوي في لبنان، إلى عبء قضائي وسياسي على لبنان، ينذر بخلق أزمة دبلوماسية بين بيروت ودولٍ شقيقة وصديقة، تتنازع الطلبات على تسليمه واسترداده، وتحمّل الجانب اللبناني تداعيات الامتناع عن تنفيذ طلباتها.
فقد بدا واضحاً مدى اهتمام جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، اللتين سارعتا إلى إرسال ملفّ لاسترداده بعد ساعات قليلة على تلقي القاهرة وأبو ظبي كتاب النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار الذي طلب إيداعه الملفّ القضائي العائد للقرضاوي الابن، والاطلاع على مضمون الحكم الغيابي الصادر بحقه عن القضاء المصري بسجنه خمس سنوات بجرائم “إذاعة أخبار كاذبة والتحريض على العنف والإرهاب وقلب النظام”، وكذلك التهم المنسوبة إليه من قبل السلطات الإماراتية.
وتفاجأت الأوساط القضائية بسرعة وصول المراسلتين من مصر والإمارات، ما يضع لبنان أمام ضغط هاتين الدولتين المهتمتين بمحاكمة القرضاوي على أراضيهما، والرسائل ذات الأبعاد السياسية العلنية لتركيا والسرّية لدولة قطر، اللتان فعلتا اتصالاتهما بعيداً عن الأضواء لحماية هذا الرجل الذي يحمل جواز سفر تركي. وكشف مصدر قضائي بارز لـ “هنا لبنان” أنّ القاضي الحجار “تسلّم الملفين المصري والإماراتي صباح الخميس، وأوعز إلى المحامية العامة لدى محكمة التمييز القاضية ميرنا كلّاس باستجواب القرضاوي حول مضمون الملفّ الإماراتي، والتريث بالتحقيق معه في الملف المصري، لكون السلطات المصرية سلّمت لبنان صورة عن الحكم القضائي الغيابي الصادر بحق القرضاوي، ولا يمكن السير بالإجراءات إلّا بوصول الملفّ بنسخته الأصلية”. وأوضح أنه “لدى اطلاع الحجار على محضر التحقيق أصدر مذكرة توقيف بحق القرضاوي، وهي إجراء مؤقت إلى حين البتّ بأمر تسليمه سلباً أو إيجاباً من قبل السلطة التنفيذية، ويتجه لإعداد تقرير قانوني يرفعه إلى الحكومة للبت بالموافقة على تسليمه أو رفض هذا الطلب”.
الخطوة القضائية التي توجت بمذكرة التوقيف، جاءت استكمالاً لجلسة تحقيق خضع لها القرضاوي يوم الاثنين الماضي أمام رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية العميد نقولا سعد الذي استجوبه على مدى ساعتين ونصف الساعة بإشراف القاضي الحجار، حيث أبقاه الأخير قيد التوقيف وطلب من مصر والامارات إيداعه ملفي الاسترداد.
وفي معلومات استقاها “هنا لبنان” من أجواء قصر العدل في بيروت، فإنّ القرضاوي “دحض كل ما نسب إليه في مذكرة الإنتربول الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب، لجهة التحريض على العنف والإرهاب وقلب النظام”، مؤكداً أنه “معارض يدلي بمواقفه بشكل علني وهذه المواقف ليس لها تبعات أمنية، وأنه لا يمتلك وسائل التأثير على قلب النظام المصري كما يدعي الحكم الغيابي”. ووفق المعلومات أيضاً ذكّر القرضاوي خلال استجوابه أنه “مواطن تركي دخل لبنان بجواز سفره التركي، وأنه تفاجأ بقرار توقيفه”، معتبراً أنّ “مطالبة مصر باسترداده ذات خلفية سياسية وأنّ تسليمه يشكّل خطراً على حياته، داعياً إلى أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار”.
إزاء الاهتمام المصري ــ الإماراتي بملفّ القرضاوي، ارتفعت وتيرة الضغوط التركية على الدولة اللبنانية، وعلم “هنا لبنان” من مصدر وزاري، أنّ الخارجية التركية “فعّلت اتصالاتها بالجانب اللبناني محذرةً من مغبّة تسليمه إلى مصر لما لذلك من تبعات على العلاقات بين أنقرة وبيروت”. ووفق المعلومات فإنّ السفارة التركية في لبنان “نقلت إلى كلّ من رئاسة الحكومة اللبنانية وزارتي الداخلية والعدل، رسالة واضحة مفادها أنّ أي قرار بتسليم القرضاوي إلى أي بلد غير تركيا ستكون له تداعيات سياسية ودبلوماسية، وأنها نصحت بضرورة إطلاق سراحه وتمكينه من العودة إلى أنقرة بأسرع وقت”. وأشارت المعلومات إلى أنّ دولة قطر “مهتمة جداً بهذا الملفّ وهي تدعم الموقف التركي”. ورأى المصدر أنّ هذا الملف “يضع لبنان بين المطرقة المصرية الإماراتية والسندان التركي، ويتخوّف من تبعاته، باعتبار أنّ كسر الإرادة المصرية الإماراتية له أثمان سياسية ومالية مع حاجة لبنان إلى الدعم العربي خصوصاً الخليجي لإعمار ما هدمته الحرب، وعودة لبنان إلى الحضن العربي، وله في المقلب الآخر أثمان سياسية في حال تجاهل التحذير التركي، خصوصاً وأنّ أنقرة تلعب دوراً طليعياً في حماية لبنان من تداعيات التحولات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً ما يجري في الداخل السوري وانعكاساته على لبنان”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
ملفّ المرفأ يتحرّك.. انتظروا المفاجآت | الأشغال الشاقة لصاحبة الحضانة والمربية وعاملة التنظيف.. القضاء يقول كلمته في جريمة تعذيب الأطفال الرضّع | سجناء أنصفتهم الحرب! |