تناقص مخزونات الغاز في أوروبا.. أزمة حادة وتبعات إيجابية على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اقتصاد 5 كانون الثاني, 2025

تواجه قارة أوروبا أزمة طاقة حادة مثيرة للمخاوف في ضوء انخفاض مخزونات الغاز الطبيعي بصورة غير مسبوقة، خلال توقيت تكافح فيه للتأقلم مع تحديات جيوسياسية وبالتزامن مع بدء الشتاء، وتراجع الاعتماد على الغاز الروسي جراء الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة.

وتأتي هذه الأزمة في وقت تتراجع فيه الواردات الأوروبية من الغاز المنقول بحراً، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد الاقتصادي والاجتماعي في دول الاتحاد الأوروبي، ليعيد إلى الأذهان أزمة الطاقة التي عصفت بالقارة قبل نحو ثلاث سنوات، ويُفرض تحديات قوية تتطلب مزيداً من البدائل وحلولاً سريعة.

ووفقاً لتقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، فإن الاتحاد الأوروبي يقوم بإفراغ مرافق تخزين الغاز لديه بأسرع وتيرة منذ أزمة الطاقة قبل ثلاث سنوات، مع ارتفاع الطلب بسبب الطقس البارد وانخفاض الواردات المنقولة بحراً.

وهو ما تؤكده بيانات من مؤسسة البنية التحتية للغاز في أوروبا، والتي كشفت عن انخفاض حجم الغاز في مواقع تخزين الغاز في الاتحاد الأوروبي بنحو 19 في المئة منذ نهاية أيلول (سبتمبر)، عند انتهاء موسم إعادة التعبئة في أسواق الغاز، حتى منتصف كانون الأول (ديسمبر).

أزمة وارتفاعات متوقعة

ويواجه المستهلكون والشركات في أوروبا أعباء اقتصادية متزايدة مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 47 في المئة هذا العام، ومع احتمال توقف تدفقات الغاز الروسي بداية 2025.

ووفقاً لوكالة بلومبرغ العالمية، توجد زيادة بالفعل في أسعار العقود الآجلة، كما يشير بعض المتعاملين إلى أن توقف ضخ الغاز من روسيا يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنحو 10 يورو لكل ميغاوات/ساعة مقارنة بالأسعار في حال استمرار الضخ كالمعتاد.

وتعقيباً على ذلك، يقول الخبير في اقتصاديات الطاقة من لندن نهاد إسماعيل في تصريحات خاصة لـ”النهار” أن الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، أحدث تغييراً كبيراً في أسواق الطاقة العالمية، خصوصاً مع استخدام روسيا تصدير الغاز الطبيعي سلاحاً وانخفاض واردات الغاز الروسية والعقوبات على روسيا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى توجه أوروبا نحو تنويع مصادر الطاقة وبناء مرافق وبنية تحتية لاستقبال الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، ومن مصادر أخرى مثل مصر وقطر وكازاخستان.

أضاف أنه مع انخفاض المخزونات والدخول في فصل شتاء قاسي البرودة، تواجه أوروبا أزمة حقيقية على صعيد الأسعار العالية ونقص الإمدادات وتناقص المخزون لديها، وهذا سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

وأشار إلى أن الأزمة التي تواجه أوروبا ليست كارثية أيضاً بسبب وجود مصادر لتوريد الغاز الطبيعي المسال من النروج والولايات المتحدة، ولكن لاتزال هناك حالة ترقب مع قدوم الرئيس المنتخب الجديد للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب واحتمال حدوث انفراج بشأن توريد متطلبات أوروبا من الغاز، بعد أن فرضت إدارة بايدن قيوداً على الإنتاج والتصدير لحماية البيئة والمناخ.

بدائل جديدة

وفي ظل هذا الواقع ومتطلبات البحث عن بدائل سريعة، تتجه أنظار قارة أوروبا خلال المرحلة الحالية إلى دول الخليج وشمال إفريقيا التي يُتوقع أن تلعب دوراً محورياً في تعويض النقص الأوروبي عبر زيادة صادراتها من الطاقة.

ووفقاً لعدد من الخبراء والاقتصاديين في مجال الطاقة في تصريحات لـ”النهار”، فأن هذه التحولات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي المتوقع بصورة إيجابية بشأن تحول بوصلة اهتمامات أوروبا إلى دول الخليج وإفريقيا لتعويض نقص مخزونها فحسب، بل تحمل انعكاسات استراتيجية قد تُعيد تشكيل خريطة العلاقات الدولية وأسواق الطاقة العالمية خلال الفترة المقبلة.

وتوقع الخبراء استفادة عدد من الدول بالمنطقة وتسجيل طفرة بالنشاط التصديري لديها إلى أوروبا مثل الإمارات وقطر والجزائر ومصر.

وهو ما يؤكده الخبير إسماعيل، بشأن انعكاسات الأزمة وتبعاتها على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي ستكون إيجابية في ضوء نقص الإمدادات والبحث عن بدائل سريعة لمواجهة تحديات تراجع المخزون.

أضاف أن دول الإمارات وقطر ومصر من المتوقع أن يرتفع وتيرة التصدير لديها إلى قارة أوروبا خلال الأعوام القادمة لتلبية تلك المتطلبات، بالإضافة إلى دول أخرى في شمال أفريقيا مثل الجزائر والتي تصدر حالياً عبر خطوط أنابيب قائمة.

وتوقع أن يدعم ذلك النشاط التصديري لتلك الدول معدلات نموها بقوة خلال 2025، وزيادة تدفقات الاستثمارات الخارجية إليها.

الخليج وأوروبا

وتتفق مع العوائد المرتقبة للمنطقة، أستاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لـ”النهار” بشأن توجهات أوروبا الحالية للبحث عن مصالحها الاقتصادية وتحويل بوصلتها نحو دول الخليج وشمال إفريقيا، لتنقذ ما يمكن إنقاذه في ضوء تبعات الحرب الروسية – الأوكرانية وتناقص الإمدادات وتراجع المخزون.

وأضافت إن توجهات القارة الأوروبية لا شك ستعود بالإيجاب على صادرات عدد من دول الخليج والمنطقة، في ضوء متطلبات القارة وتوقف الغاز الروسي الذي يضخ من خلال سلوفاكيا عبر أوكرانيا المتوقع مع بداية العام الجديد، ووسط تحذيرات ترامب التي تؤثر بشكل مباشر على أسعار الغاز.

وأشارت أن ملف الصراع على الطاقة لن يتوقف حتى مع توقف الصراعات والحروب القائمة، في ضوء خطة الاتحاد الأوروبي الطويلة الأمد للاستغناء عن الغاز الروسى، مؤكدة أن شواهد المشهد الأوروبى تشير الى أن المخاطر الجيوسياسية واضطرابات إمدادات الطاقة مازالت مفتوحة وممتلئة مع انخفاض درجات الحرارة وتوقعات زيادة الطلب على الغاز.

وأوضحت أن السلوك غير المنتظم للأسواق مع سياسات دونالد ترامب، ستدعم توجهات بوصلة الغاز الأوروبى فى المرحلة المقبلة حيال دول الخليج.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us