حكومة لبنان العتيدة بلا وزير خديعة!
نتمنى على رئيس الحكومة المكلف نواف سلام أن يضم إلى حكومته العتيدة مثقفين شيعة من غير حزب إيران المسلّح، ما يحيي في نفوس اللبنانيين الأمل بالتغيير وتحقيق العدالة.. ونتمنى عدم نسيان تجربة الوزير الوديعة الذي انتهى إلى كونه مجرد خديعة أخرجت سعد الحريري رئيس حكومة مستقيلة من لقاء بدأه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بصفته رئيس حكومة حاكمة سنة 2011
كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:
قبل47 سنة، وتحديداً في العام 1979، بدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) وحلفاؤه بتنفيذ خطة “تدمير” الإتحاد السوفياتي من داخله عبر شرائح إسلامية غير منتمية إلى الحلف أو إلى ثقافة الديمقراطية عموماً، فوقع الإختيار على تنظيم الأخوان المسلمين والحركات السلفية التكفيرية لتمثيل السنة في التنفيذ وتقرر إسقاط نظام شاه إيران الشيعي الليبرالي واستبداله بنظام ولاية الفقيه بقيادة آية الله الخميني اللاجئ إلى فرنسا منذ طرده نائب الرئيس العراقي إذ ذاك صدام حسين من النجف سنة 1978.
وبعدما اهتز عرش الشاه أقلّت طائرة بوينع 747 تابعة للخطوط الجوية الفرنسية الخميني مع 200 شخص من أتباعه والمراسلين الصحافيين إلى طهران في الأول من شباط العام 1979.
بعد تسعة أشهر، وتحديداً في 20 تشرين الثاني من العام نفسه إقتحم مغمور يدعى جهيمان العتيبي الحرم المكي زاعماً بأنه رافع راية ظهور مهدي مزعوم لم يكن سوى صهره محمد عبد الله القحطاني.
أنهت قوات الحرس الوطني السعودي إحتلال الحرم المكي في 4 كانون الأول العام 1979 وقتلت المهدي المزعوم أما العتيبي فقد استسلم وأعدم مع بقية أتباعه في 9 كانون الثاني العام 1980.
بعد التعمّق في خلفيات ومفاعيل إحتلال الحرم المكي، والتعمق في تحليل فرضيات إنعكاساتها المحتملة على دول الخليج عموماً تم التعاقد مع الداعية الفلسطيني عبد الله يوسف عزام للتدريس في “جامعة الملك عبد العزيز” بالسعودية التي إنتدبته للتعليم في “الجامعة الإسلامية العالمية” بالعاصمة الباكستانية إسلام أباد حيث تعرف إلى طلبة العلوم الدينية الأفغان المعروفين بـ”طالبان” فإنتقل إلى أفغانستان، أرض الجهاد ضد “الكفار السوفيات” وأسس “مكتب الخدمات” الذي تولى إستقبال وتوجيه المجاهدين العرب الخارجين للجهاد، ومن الذين مروا عبره المصري أيمن الظواهري، كما نافسه في مكتب خدمات آخر أسامة بن لادن، اليمني الأصل حامل الجنسية السعودية قبل سحبها منه في العام 1994 بعد لجوئه إلى السودان.
لدى خروج السوفيات من أفغانستان دبت الخلافات بين الفصائل الجهادية فرأى الظواهري وابن لادن أن يستهدف “الجهاد” الحكومات العربية والولايات المتحدة الأميركية فيما تمسك الشيخ عزام بأولوية نقل الجهاد إلى أرض فلسطين المحتلة
لتحريرها وبدأ بتنظيم دورات تدريبية في أفغانستان وباكستان على “القتال تحت الإحتلال” حتى يوم الجمعة في 24 تشرين الثاني العام 1989 عندما توجه إلى مسجد “سبع الليل” الملحق بمستشفى الهلال الأحمر الكويتي في مدينة بيشاور على الحدود مع أفغانستان لإلقاء خطبة الجمعة باللغة العربية لأن الخطبة في بقية المساجد كانت تلقى بلغة الأوردو فإنفجرت به سيارته وقتل مع ولديه محمد وإبراهيم.
يذكر أن الطبيب الجراح الأشهر في ذلك المستشفى كان أيمن الظواهري الذي دارت شبهات حول ضلوعه في إغتيال الشيخ عزام وولديه.
بعد إكتمال إنسحاب السوفيات من أفغانستان تفرغت إيران لمقاتلة حلفاء الغرب في أراضيهم وتنازعت مع روسيا على حصتها في بحر قزوين المشترك بين الدولتين والغني بالغاز والنفط والمعادن “والألماس الأسود” أو الكافيار حتى سقوط الإتحاد السوفياتي في العام 1991 فتم تصنيفه “بحيرة مغلقة” وصار حق إستثمار ثرواته مقسماً بين خمس دول بدل الدولتين هي كازاخستان، تركمانستان، أذربيجان، روسيا وإيران.
إعتبار بحر قزوين “بحيرة مغلقة” يعطي لكل من الدول المطلة عليه الحق في مياه إقليمية بعمق 20 ميلاً، يليها منطقة إقتصادية بعمق 20 ميلاً بحرياً، والباقي يعتبر منطقة مشتركة بين الدول الخمس وتقسم عائداتها عليهم بالتساوي بحيث تحصل كل دولة على 20% وفق مبدأ “السيادة المشتركة”.فسقطت إيران في مصيدة التنافس مع أربع دول بدلاً من إزعاج روسيا الواحدة فقط.
وإضافة إلى محاولة إزعاج الإتحاد السوفياتي عبر إستفزاز جالياته المسلمة كما كان يأمل من إنتدبها للمهمة ركزت إيران على إزعاج الغرب عموماً والعرب والمجتمع الأممي بدءاً بسحب الكتيبة الإيرانية التي كانت تخدم في قوات اليونيفل بجنوب لبنان منذ حقبة حكم الشاه.
ووفقاً لجردة نشرتها صحيفة مكة السعودية نفذت تنظيمات تابعة لإيران ما لا يقل عن 30 عملية إرهابية على أهداف رسمية و/أو غير محلية في بيروت والكويت ومكة وبوينس أيريس والخبر والرياض والمنامة والقاهرة وتايلاند ونيويورك وباكو، كما نفذت 8 إعتداءات إرهابية على سفارات وخطف طائرات مدنية ، هذا من دون ذكر العدد الهائل لعمليات الإغتيال الفردية التي إستهدفت سياسيين وإعلاميين وعسكريين ورجال دين في لبنان.
أحبطت إيران من أدرجها كقوة إقليمية عظمى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإمتلأت كأس القوى الغربية والعربية العظمى غضباً وفاضت من تمددات إيران الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط ما يهدد الإستقرار الأمني والإقتصادي لجيرانها والعالم خصوصاً لما تختزنه المنطقة من ثروات يمكن أن تعزز قوة إيران وسيطرتها.
وتفاقم الغضب الدولي عندما بدأت إيران تدعم روسيا بالمسيّرات والصواريخ بعد إندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية في شباط العام 2022، فبدأ العمل على إخراجها من مشهدية المنطقة بإعتبارها قوة تدمير وإستبداد لا تؤمن بالصداقة والإستقرار وحسن الجوار.
فاجأت إيران عبر حليفتها “حماس” إسرائيل والعالم بعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر العام 2023 فحصدت فرحاً شعبياً قبل أن يتكشف حجم ضحاياها وخسائرها وآلامها وتهجيرها فينقلب الترحيب إنتقاداً ، لا سيما في لبنان الذي ساند حماس بعد يوم من إطلاقها الطوفان الذي أغرق لبنان بسيل من الدم والدمار والتهجير وما زالت مآسيه مستمرة على الرغم من التوصل لوقف إطلاق النار لمدة 60 يوماً دخل حيز التنفيذ رسمياً في 27 تشرين الثاني ولم يتوقف … حتى الآن.
فاجأت سوريا إيران بإسقاط التحالف البائد بين نظام الأسدين والحرس الثوري الفارسي في الثامن من كانون الأول الماضي، ما أدى إلى إنهيار المحور الفارسي-الأسدي في سوريا ولبنان على السواء وسهّل إنتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية ما أنهى شغور قمة هرم الدولة الذي إستمر لـ 26 شهراً.
ويسّر إنهيار المحور الفارسي-الأسدي تكليف القاضي الدولي نواف سلام تأليف حكومة لوّح الثنائي الشيعي بالتشكيك بميثاقيتها ما لم تحقق للمحور محاصصته المتعلقة بالحصول على حقائب وزارية معينة وعدد محدد من الوزراء في الحكومة العتيدة.
في السياق وإستناداً إلى التاريخ السياسي والنضالي المشرّف لرئيس الحكومة المكلف نواف سلام لا يعتبر غريباً التمني عليه أن يضم إلى حكومته العتيدة مثقفين شيعة من غير حزب إيران المسلّح كالسيدة رشا الأمير، شقيقة المفكر الشيعي لقمان سليم الذي اغتالته يد الغدر في الرابع من شباط العام 2021 .
ضمّ حاملي جرح الغدر والحقد على القتلة إلى حكومة جديدة يحيي في نفوس اللبنانيين الأمل بالتغيير وتحقيق العدالة على يد حكومة برئاسة قاضٍ دولي.
وقد يكون من المفيد، إلتزاماً ببيانك السياسي وإخلاصك القضائي للعدالة يا دولة الرئيس، أن تضم إلى حكومتك العتيدة من يمثل آلام وآمال أهالي ضحايا تفجير المرفأ والمودعين الذين تعهدت في بيان تكليفك بأن تنصفهم.
لا شك في أنّ ضم حاملي جرح الغدر والتآمر والحقد على القتلة إلى حكومتكم العتيدة التي ندعو لها بالنجاح سيحيي في نفوس اللبنانيين الأمل بالتغيير وتحقيق العدالة، مع الدعاء لكم يا دولة الرئيس المكلف بالأمن والأمان وتمني عدم نسيان تجربة الوزير الوديعة الذي انتهى إلى كونه مجرد خديعة أخرجت سعد الحريري رئيس حكومة مستقيلة من لقاء بدأه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما بصفته رئيس حكومة حاكمة سنة 2011.
مواضيع مماثلة للكاتب:
لبنان يترنح بين 3 مواعيد | حرب أهلية أم ثأر شعبي؟؟ | من سيكون الراعي الجديد للمنطقة؟ |