العهد بين ” الهيبة ” و “الرهجة”


خاص 18 كانون الثاني, 2025

على قاعدة “صديقُكَ مَن صدَقَكَ لا مَن صدَّقَك”، نقول لبعض الغيارى: خفِّفوا من “رهجة” البعض الذين يحاولون الظهور بمظهر الحرصاء، وتمسكوا أكثر فأكثر بـ”هيبة” الرئيس الذي يعي حقيقة كل التفاصيل، لكنه يعطي الأولوية لتشكيل الحكومة، وبعدها لكل حادث حديث.. الخيار مازال متاحًا، إما الانحياز إلى تيار الهيبة وإما الانحياز إلى تيار البهرجة.

كتب جان الفغالي لـ”هنا لبنان”:

لو لم يكن موقع رئاسة الجمهورية في لبنان مهماً، لَما تضافرت جهود الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية وقطر لتحقيق هذا الاستحقاق. ولو لم يكن هذا الموقع مهماً، لَما تنفس اللبنانيون الصعداء حين تحقق انتخاب الرئيس.
إضافة إلى أهمية موقع الرئاسة، هناك أهمية شخص الرئيس، فإما أن “يعبِّي محله”، كما يقال بالعامية، وإما أن تكون كرسي الرئاسة أكبر من مقامه.
هل من مناسبة لهذا الكلام؟ بالتأكيد، فانتخابات الرئاسة التي جرت والتي حملت قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى بعبدا، لم تكن حدثًا عادياً جرى بطريقة تلقائية، بل تمَّت بعد مخاضٍ طويل دام سنتين وشهرين وأسبوعًا، صحيح أن الدولة كانت “ماشية” من خلال السلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء مجتمعاً، لكن الصحيح أيضًا أنه كان هناك شعور بأن الدولة بلا رأس. انتٌخِب الرأس، فشعر اللبنانيون بأن إعادة تكوين السلطة قد بدأت، وراحوا يتحدثون عن أنّ “الهيبة” قد عادت، لِما يمتلكه الرئيس جوزاف عون من سِمات قيادية تتيح الحديث عن “استعادة الهيبة”.
لكن مراقبين، وعن حسن نية، بدأوا يرصدون “رهجة”، في مكانٍ ما ، في مقابل “الهيبة”، ويعتبرون أنّ “الهيبة” أفعال و”الرهجة” مظاهر، يُكثرون من الأمثلة، لكنهم يسلِّمون بأنه صحيح أنّ هناك عهدًا جديدًا، لكن السلطة التنفيذية مازالت في يد حكومة تصريف الأعمال وليست في قصر بعبدا. مع ذلك، المواطنون لا يرحمون، خصوصًا أنهم علقوا ويعلقون آمالًا عريضة على العهد وعلى سيِّد العهد، ويريدون لهيبته أن تتعزز، لأنها جزءٌ من نجاحه، وصدق مَن قال:”الحكم هيبة”.
إن الذين أطلقوا النار على مدى ثلاث ساعات، في المخيمات الفلسطينية وفي الضاحية الجنوبية، “ابتهاجًا” بوقف إطلاق النار في غزة، وكان رصاصهم على مسافة مئات الأمتار من القصر الجمهوري في بعبدا، لم يكن رصاصهم بقصد أن يُسمَع في تل أبيب، لأن بُعد المسافة لا يتيح سماعه، بل كان المقصود أن يُسمَع في قصر بعبدا، فهل تعمّدوا استهداف الهيبة؟ وهل امتعضوا من أنّ الهيبة عادت إلى القصر؟ هذا يرتِّب حسابًا عسيرًا، لأن الناس يرفضون كسر هيبة الدولة تحت أي عنوان.
هنا المسؤولية تقع على الأجهزة الأمنية التي تعرف كل مُطلِق نار وكل رصاصة من أين انطلقت، والتقصير والتأخير في المتابعة والمعالجة، يعنيان أن هناك شيئًا مقصودًا، وهذا الشيء المقصود يعرفه الرئيس العماد جوزاف عون لأنه يعرف الأرض ومَن عليها.
حادثة ثانية تكسر الهيبة، التهريب المريع للمحروقات من لبنان إلى سوريا، صحيح أنّ حكومة تصريف الأعمال هي المسؤولة، لكن الناس لم يعودوا يحاسبونها بل يتطلعون إلى أن تأتي المحاسبة من قصر بعبدا، وهُم لا يلامون في ذلك، لأنهم يضعون آمالهم عند سيد القصر، ويسجِّلون إحباطهم من تصريف الأعمال.
على قاعدة “صديقُكَ مَن صدَقَكَ لا مَن صدَّقَك”، نقول لبعض الغيارى: خفِّفوا من “رهجة” البعض الذين يحاولون الظهور بمظهر الحرصاء، وتمسكوا أكثر فأكثر بـ”هيبة ” الرئيس الذي يعي حقيقة كل التفاصيل، لكنه يعطي الأولوية لتشكيل الحكومة، وبعدها لكل حادث حديث: لا إطلاق النار ابتهاجًا سيستمر، ولا سكة التهريب ستبقى.
الخيار مازال متاحًا، إما الانحياز إلى تيار الهيبة وإما الانحياز إلى تيار البهرجة.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us