“بركات” ترامب أنزلت “الحزب” عن الشجرة
يكبر يوماً بعد يوم في لبنان حزب “أكل العنب لا قتل الناطور”، وسيتحمّل اللبنانيون مجدداً قاسم ورعد في الصعود والنزول عن شجرة زرعها الحرس الثوري الإيراني في بداية ثمانينات القرن الماضي والتي أوشكت على السقوط نتيجة التغييرات المذهلة التي شهدها لبنان والمنطقة في الشهور الأخيرة.
كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:
حلت على لبنان “بركات” دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجدداً اليوم إلى البيت الأبيض. وتسارعت الأنباء في الساعات الـ 48 الماضية التي تشير إلى هذه “البركات”. ويتصدر الأخيرة ما له علاقة بتشكيل حكومة عهد الرئيس جوزاف عون الأولى برئاسة القاضي نواف سلام.
تتشابه ظروف ولادة الحكومة الجديدة مع التصفيات في التجارة. فيندفع الزبائن إلى المتاجر التي أعلنت عن تنزيلات لا تقاوم والمعروفة بـ”سحق الأسعار”. وأتت الأنباء المتواترة من واشنطن أنّ موسم الحروب في الشرق الأوسط اقترب من نهايته خلال هذا النهار قبل ساعات من تنصيب ترامب. والتقط الـ “لبيب” في لبنان “الإشارة” من قطاع غزة. فشهد الأخير بالأمس بداية نهاية أطول حروب إسرائيل وأقسى آلام الشعب الفلسطيني، لمجرد رغبة حاكم إسرائيل بنيامين نتنياهو أن يقدم هدية لحاكم الولايات المتحدة الأميركية في يوم تنصيبه مجدداً في عاصمة الإمبراطورية الأميركية.
سارع “حزب الله” إلى صعود قطار الحكومة الذي بدأت تتحرك عجلاته في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم. والتقط “الحزب” على الفور التذكرة التي عرضها عليه السائق الذي هو في هذه الحالة رئيس مجلس الوزراء المكلّف. فكان نبأ الاجتماع الذي تواتر حول انعقاد الاجتماع بين الرئيس سلام ورئيس كتلة “الحزب” النيابية محمد رعد في حضور المعاونين حسين الخليل وعلي حسن خليل السبت الماضي إيذاناً بأنّ اهل الممانعة سارعوا إلى تبديل المواقع قبل أن “يفوت السبت”.
يستحق اللبنانيون الذين ساورهم القلق قبل لقاء سلام ورعد في حضور الخليلين كلمة اعتذار من الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم. يستحقون فعلاً اعتذاراً من الشيخ الذي أطلق عبارات نارية تفوقت بشدتها الأعيرة النارية التقليدية في وقت كان رعد جالساً قبالة سلام يبتسم وذلك في مرة نادرة منذ تفجير أجهزة المناداة “البيجرز” في 17 أيلول الماضي.
تسببت زمجرة قاسم الأخيرة بحالة يأس عند من وصلت إلى آذانهم. وتبيّن خلال ساعات قليلة أنها من نوع “الإنذار الكاذب” والمشهور بعبارة False alarm . وشمل اليأس كل من هم من جماعة “يا غافل إلك الله”. وتضم هذه الجماعة ربما الشيخ نعيم إذا اعتمدنا مبدأ “أنّ سوء الظن من حسن الفطن”. فيكون عندئذ الأمين العام لـ”الحزب” الذي تبوأ أعلى منصب في التنظيم خلفاً للزعيم التاريخي حسن نصرالله ، كحال أحد أفواج “طيور الجنة” الذين سقطوا من الجانب الإيراني في الحرب مع العراق في ثمانينات القرن الماضي. علماً أنه يتوجب الحذر عند تشبيه قاسم بأحد “طيور الجنة”، فقد أفتى مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية باستخدام مئات الألوف من الفتية الإيرانيين ككاسحات ألغام بشرية في مواجهة جيش صدام حسين . ويأتي هذا الحذر من منطلق أنّ نعيم قاسم هو في نهاية المطاف يتربع على رأس “الحزب” . ربما يكون الحل لهذه الأحجية هو القول إنّ الأخير أخذ على عاتقه تغطية نزول محمد رعد عن شجرة العبوس، على الرغم من أنّ رعود الأخير في يوم الاستشارات النيابية الملزمة في قصر بعبدا ما زالت تتردد أصداؤها حتى الآن.
يبدو مفيداً أن نستعيد وباختصار شديد كيف أعدّ “حزب الله” العدة للنزول خلال خمسة أيام فقط عن شجرة الممانعة، والهبوط آمناً على أرض الطاعة ، قبل تنصيب الرئيس ترامب اليوم. وكان رعد صعد وكتلة “الحزب” الاثنين الماضي إلى القصر الجمهوري بعدما سقط اقتراحه بتأجيل الاستشارات التي أجراها الرئيس جوزاف عون على مدى ساعات من يوم 13 الجاري. وخرج رعد بعد الاستشارات ليقول، على طريقة “أعذر من أنذر” الآتي:”نحن خطونا خطوة إيجابية عند انتخاب رئيس الجمهورية، وكنا نأمل أن نلاقي اليد التي طالما تغنت بأنها ممدودة، فإذا بها تقطع”.
ومرّت بعد ذلك 5 أيام فقط، فأطل الأمين العام لـ”حزب الله” ، أي أول أمس السبت بكلمة مسجلة في المؤتمر الدولي الثالث عشر “غزة رمز المقاومة” الذي عقد في إيران قال فيها: “خرجنا بحمد الله تعالى مرفوعي الرأس والسلاح بأيدي المقاومين والقرار 1701 إطار عام…”.
يكبر يوماً بعد يوم في لبنان حزب “أكل العنب لا قتل الناطور”. وسيتحمّل اللبنانيون مجدداً قاسم ورعد في الصعود والنزول عن شجرة زرعها الحرس الثوري الإيراني في بداية ثمانينات القرن الماضي والتي أوشكت على السقوط نتيجة التغييرات المذهلة التي شهدها لبنان والمنطقة في الشهور الأخيرة. سيغضب رعاة “الحزب” بشدة أن قيل لهم إنّ شجرة الممانعة على وشك أن تسقط نهائيا، ما يجعلها حطباً يُدفئ آلاف المنكوبين في آخر حروب هذا التنظيم العبثية . لذا، سيتم تجاوز هذا التوصيف والاكتفاء بما هو حاصل في لبنان والمنطقة.
ستكون هناك فرص عدة من الآن فصاعداً للحديث عن “بركات” ترامب الذي من المقرر أن يتصدّر العالم على مدى الأعوام الأربعة المقبلة. ويعتبر “حزب الله” نفسه مساوياً لغيره في لبنان والمنطقة عندما قرر تغيير موقفه عشية تنصيب الرئيس الأميركي الجديد.
فاز “الحزب” حتى الآن بلقاء استشارات غير ملزمة السبت أجراها نواف سلام ، غداة فوز رئيس مجلس النواب نبيه بري بلقاء مماثل يوم الجمعة الماضي. وبقي الآن فقط أن يقول:” قوموا تنهني ترامب”!
مواضيع مماثلة للكاتب:
ميقاتي من الأسد إلى الشرع | قائد الجيش رئيسًا الخميس | قاسم أعلن رسميا وفاة نصرالله |