وزير الزفت
فليأخذوا يا دولة الرئيس حصصهم من حكومتك، وليأخذوا حقائب يملأون من خيراتها خزائن طوائفهم، فليأخذوا حتى لا يحردوا… ولكن بالله عليك يا دولة الرئيس، لا تنسَ حصّة هذا الشعب من حكومتك، ولا تنسَ كم هو بحاجة إلى حقائب تعيد له قليلاً من كرامة مواطنيته وصموده وتحمّله ما عجز أيوب عن تحمّله
كتب جوزف طوق لـ”هنا لبنان”:
الوزراء على أشكالها تقع… والوزير في لبنان يأتي بشكل من اثنين، فإما أن يكون “الوزير الزفت” أو يكون “وزير زفت”. الأول هو الأكثر انتشاراً، فيمضي فترته الحكومية بمستوى مثل الزفت على كل الأصعدة، أخلاقه زفت وكبرياؤه زفت وعنجهيته زفت وفرحته العارمة بالمنصب زفت. وأما الثاني فيأتي مثل الوباء، ومن لحظة إصابة الحكومة به، يحوّل المنصب إلى ماكينة تزفيت من طرقات الانتخابات إلى وظائف المحسوبيات وإنجازات لا ترى أبعد من أنف الطائفة… و”زفت يكسّر بعضو”.
استبشرنا خيراً بداية بوصول الرئيس جوزاف عون، وازداد تفاؤلنا مع تولّي نواف سلام مهمة تشكيل حكومة العهد الأولى، ولكننا بدأنا نشعر بنوع من الإحباط من المحاصصات الحزبية التي تفرض نفسها على الحقائب، وكأن اللعبة لا تريد أن تتغيّر مهما تفاءلنا وتمنينا، وكأنّ كابوس الزفت لن يفرج عن صورة الحكم التي نريدها بيضاء ومطمئنة وواعدة.
ونواف سلام، هذا المنزّه عن وحول لبنان والقادم من أرفع منصب قضائي عالمي، هل سيغرقونه بخطاياهم وهل سيمرّرون جرائمهم من تحت دفاتر نزاهته؟
فليأخذوا يا دولة الرئيس حصصهم من حكومتك، وليأخذوا حقائب يملأون من خيراتها خزائن طوائفهم، فليأخذوا حتى لا يحردوا… ولكن بالله عليك يا دولة الرئيس، لا تنس حصّة هذا الشعب من حكومتك، ولا تنس كم هو بحاجة إلى حقائب تعيد له قليلاً من كرامة مواطنيته وصموده وتحمّله ما عجز أيوب عن تحمّله.
يا ليت هذا الكلام مجرّد صفّ كلام، ويا ليت هذا الكلام ليس أكثر من بيوت شعر… ولكن واقعنا تخطّى الرثاء والهجاء وأصبح أعمق من كل معاني الكلمات، واقعنا لم يعد أكثر من دموع أمهات وآباء بين جدران أربعة، ولم يعد أكثر من أحلام شابات وشباب تستعطي وظيفة لأحلامها المذبوحة، ولم يعد أكثر من حزن أطفال على مراجيح مقطّعة الحبال في حدائق عامة اخضرارها منهوب.
يا دولة الرئيس، أنت الآتي من أوروبا المتحضّرة ومن عواصم العالم المنتبهة إلى هموم شعوبها، بالله عليك قبل أن تلتقي الموفدين عن الأحزاب والزعماء، وقبل أن تكتب مسوّدة تشكيلتك الحكومية، قبل أن تفعل أي شيء، إركب سيارتك في الليل وشاهد على ضوء سيارتك عدد جثث الشباب المقتولة داخل سياراتها على الطرقات المظلمة. وفي الصباح، تمشّى قليلاً في شوارع بيروت وانظر إلى أيدي الناس تحمل أكياس نايلون خجولة بما فيها أمام حاجات العائلات. لا تمضِ أيامك الآن لا في السراي ولا في شقق فخمة، إذهب واختبئ خلف باب مدخل أي بيت في لبنان، ودوّن جنب أسماء وزرائك المحتملين عدد الذين يطرقون الباب طلباً لفواتير مزدوجة للماء والكهرباء والانترنت والتليفون والإيجارات والمستحقات. أقفل أذنيك للحظات على كلام ووعود المنبطحين فوق أوراقك الوزارية، وافتحها قليلاً لصرخات الآباء والأمهات من أقساط المدارس وفواتير المستشفيات وأسعار الصيدليات.
يا دولة الرئيس، هذا الشعب الذي ينتظر تشكيلتك الحكومية، ينتظر الموت كل يوم أن يأتيه من حيث يدري طبعاً، لأن إهمال حقوقه أصبح أكبر من ألا يلاحظه، سواء كان في الطرقات المصابة بجدري الفساد، أو من التلوث الذي يعاني من سرطان الاستهتار، أو من نوعية الأكل والشرب التي تنبت على مياه مجارير المنازل ومياه صرف المعامل.
يا دولة الرئيس، كنّا ننتظر موتنا اليوم، وبما أنّ الغد مكتوب علينا التحمّل يوماً آخر، سننتظر معه وزيراً في حكومتك يكون من نصيب هذا الشعب المنهك، لعلّه يأتي قبل موتنا، فنعيش يوماً قبل أن نموت.
مواضيع مماثلة للكاتب:
الدعارة الأهلية! | من جوزف إلى جوزاف! | “بابا نويل” ليس شيعياً! |