سلام ينتفض محذّراً.. “لست ساعي بريد”
الرئيس المكلّف نواف سلام زار أمس رئيس الجمهورية، ومن بعبدا خرج عن صمته، واضعًا النقاط على الحروف: “هناك آلية ومسؤوليتي تشكيل الحكومة، وأنا على تواصل مع الكتل وأتداول وأتشاور معها، لكنني أنا من يشكلها ولست Liban Post”.
كتب سعد كيوان لـ”هنا لبنان”:
كان واضحاً منذ التغيير الجذري والمفاجئ الذي حصل في داخل السلطة سواء على الصعيد الرئاسي بانتخاب العماد جوزاف عون أو على صعيد رئاسة الحكومة بتكليف نواف سلام، أنّ التعاطي بالشأن العام لن يستمر كما كان سائداً منذ أكثر من ثلاثين سنة. وأول اختبار كان تشكيل الحكومة التي عليها أن تأخذ مكان حكومة تصريف الأعمال بالمعنى الحقيقي وليس الشكلي على مدى يقارب الثلاث سنوات. وهذا التحدي المهم واجهه الرئيس المكلف نواف سلام الذي عليه بطبيعة الحال التعامل مع الأحزاب التي بيدها مفتاح منح حكومته الثقة، ولذلك هي قادرة على المناورة والابتزاز ومحاولة فرض الشروط لعرقلة مهمة سلام الآتي من خارج الطبقة السياسية والبعيد كل البعد عن ألاعيبها، والذي يسعى من خلال تجربته المميزة سواء في الأمم المتحدة حيث ترأس مجلس الأمن ومنطلقاً من منصب قضائي رفيع كرئيس للمحكمة العدل الدولية أن يشكل حكومة تطلق أخيراً عملية إصلاح للنظام والعملية السياسية كأساس لدولة القانون والعمل المؤسساتية، مدعوماً من رئيس الجمهورية الآتي هو أيضاً من تجربة تشهد على إدارته بجدارة وكفاءة وشفافية قيادة الجيش بعيداً عن المحسوبية والفساد والمحاصصة، وهذه آفات تنخر كل أرباب السلطة الذين شاركوا في الحكومات وتمترسوا فيها لعشرات السنوات. ويبدو أنّ هذا ما يواجهه سلام اليوم، إذ يشكو من محاولتهم فرض الحكومة التي يريدون عليه وتوزيع من يريدون على الحقائب الوزارية، ما يشكّل اعتداءً واضحاً على صلاحيات رئيس الحكومة المكلّف الذي يستمزج آراء الكتل السياسية، ولكنه هو من يشكل الحكومة ويختار وزراءها ويُطلع رئيس الجمهورية عليها لنيل موافقته.
هذه الآلية التي كان من المفترض اتباعها منذ عقود، ولكن في ما مضى كان النظام السوري يفرض الأسماء التي يريدها ويذعن رئيس الحكومة منفذاً إرادته، وتتحوّل الحكومة إلى أداة للمحسوبيات وتمرير الصفقات وسط غياب كلي في المواقف السياسية الهامة داخلياً وإقليمياً. وبعد خروج الوصاية السورية من لبنان في العام 2005 انتقلنا إلى الوصاية الإيرانية التي بات يمليها “حزب الله” بعد أن دخل لأول مرة في الحكومة غداة اغتيال رفيق الحريري رغم أنه يتمثل بوزيرين فقط من أصل 30 أو 24 وزيراً. كما فرض مع حركة أمل أحادية (أو ثنائية) التمثيل الشيعي مقابل التهديد بالخروج أو مقاطعة الحكومة أو الاتهام ببدعة “اللاميثاقية” لقطع الطريق على أي تمثيل للشيعة من خارج “الثنائي الممانع”، وهذا ما يحاول فعله اليوم مع الحكم الجديد لمنعه من إحداث أي تغيير في نهج الوصاية وعقلية الهيمنة والفساد في السلطة والإمعان في معادلة “السلاح مقابل الفساد” التي سادت منذ نحو عقدين وأمنت على تقاسم السلطة واحتكارها بين طرفي هده المعادلة، فيما يقوم رئيس الحكومة عملياً بتصريف الأعمال فقط. ويحاول “حزب الله” اليوم التعاطي بالعقلية نفسها وكأن شيئاً لم يحصل، وكأنه لم يفقد أمينه العام وقيادته العسكرية وعدداً كبيراً من كوادره بعد تدمير الضاحية والجنوب والبقاع وغيرها من المناطق اللبنانية… ويصر نعيم قاسم على أنه منتصر وأنه يريد الاستمرار في المقاومة وكأنه يعيش في عالم آخر، محاولًا ابتزاز رئيس الحكومة بمسالة الانسحاب الإسرائيلي الذي لن يحصل برأيه في الموعد المحدد أي الأحد القادم في 26 من هذا الشهر. وهذا على ما يبدو بدأ يزعج حليفه نبيه بري الذي يحاول ترطيب الأجواء بالقول إنّ “الأمور تسير بشكل جيد” نافياً أنه يتدخل في التشكيلة والأسماء.
ورميت عدد من التشكيلات للتشويش على رئيس الحكومة وإحراجه، إلا أنه زار أمس رئيس الجمهورية ثم خرج عن صمته من بعبدا واضعاً النقاط على الحروف: “هناك آلية ومسؤوليتي تشكيل الحكومة وأنا على تواصل مع الكتل وأتداول وأتشاور معها لكنني أنا من يشكلها ولست Liban post. هذا في الأسلوب والشكل أما في المضمون: “الحكومة التي نريدها هي حكومة إصلاح ووفية لتطلعات اللبنانيات واللبنانيين ولن تأخذ أشهرًا كما الحكومات السابقة”، مؤكداً في الختام أنّ على الحميع تعلم احترام الدستور.
مواضيع مماثلة للكاتب:
هل سيسأل ماكرون “الحزب” عن دمار لبنان؟! | الرئيس يحتاج إلى “هواء نظيف” في السراي | “ممانعة” بري عشية انتخاب عون؟ |