آنَ الأوان لتحقيق السّلام بين إسرائيل ولبنان
ترجمة “هنا لبنان”
كتب David Hale لـ “This is Beirut“:
“لبنانُ لن يكونَ أوّلَ دولةٍ عربيةٍ تعقُد سلامًا مع إسرائيل ولا آخرَها”… تَرَدَّدَ هذا المفهومُ على مَدار السّنين قبل أن يتلاشى مع الأسفِ، في ظلّ خضوعِ القراراتِ اللبنانيّة لإملاءاتِ عائلةِ الأسد المدعومةِ من إيران.
وسَعَتْ عائلةُ الأسد منذ العام 1983 لإبقاءِ جبهةِ الجنوبِ اللّبناني مُشْتَعِلَةً ضدَّ إسرائيل، ليْسَ خِدمةً للمَصالِحِ اللّبنانية، ولكن خدمةً لآل الأسد أنفسِهم. وبعد احتلالِ إسرائيل مرتفعاتِ الجولان في الأراضِي السّوريَّةِ، حافظ الأسد الأب على هدوءِ جبهتهِ مع إسرائيل بينما اشْتَعَلَتِ الجبهةُ في جنوبِ لبنان بشكلٍ خطِير.
وأَصَرَّ “حزب الله” على مدى أكثر من عقدَيْن من الزّمن، بعد مغادرةِ القوّاتِ الإسرائيليَّةِ للأراضي اللّبنانية، على الضَّغْطِ العسكري على إسرائيل، ليْس نيابةً عن اللّبنانيّين، بل نيابةً عن أسْيادِهِ في دمشقَ وطهران. أمّا الشَّعبُ اللّبناني فَتَكبَّدَ أغلى الأثْمَان.
هذه المعادلةُ اختلفَتِ اليومَ مع انهيارِ قوّة “حزب الله” وخروجِ الأسد الابن من المشهدِ إلى الأبد وتراجُعِ نفوذِ طهران. ويفتحُ الوضعُ الجديدُ البابَ أمام السَّلام الرَّسمي بين إسرائيل ولبنان. ولم يَعُدْ هذا الأخيرُ رهينةً للمصالحِ الجيوستراتيجية لعائلةِ الأسد.
وعلى عكسِ الوضعِ بين إسرائيل والسوريّين والفلسطينيّين، لا تفرِّقُ إسرائيلَ ولبنان قضيةُ أراضٍ معقَّدة. ولا تعدو مزارعُ شبعا كونها أكثر من مشكلةٍ حدوديةٍ استثنائيةٍ. كما لم ترْتفعْ الأصواتُ المطالبةُ بِها إلّا عندما احتاج “حزب الله” لذريعةٍ لمواصلةِ المقاومةِ ضدَّ احتلالٍ انتهى بالفِعل. وبعيدًا عن التَّصريحاتِ الرَّسميَّةِ، كان بشّار الأسد يزعمُ أصْلًا أنَّ مزارعَ شبعا هي سوريَّة. وعلى أيّ حال، يمكنُ للقادةِ والمُفَاوِضِين من أصحاب النَّوايَا الحسنةِ التَّوَصُّلَ لحلولٍ تحفظُ ماءَ الوَجْهِ لمنعِ هذه القضيةِ من عرقلةِ السَّلام. ومِن ضمنِ الحلولِ الممكنةِ، تركُ قضيةِ مزارعِ شبعا معلَّقةً أو تحتَ إدارةِ قوَّات الأمم المتّحدة لحفظِ السّلام، ريثَما يوضِحُ التحكيمُ الدّولي وضعَها.
ولا يُعْصَى تصوّرُ الخطوطِ العريضةِ للسّلام بين إسرائيل ولبنان: الالتزاماتُ الأمنيةُ وترسيمُ الحدودِ مع وضعِ إجراءاتٍ واضحةٍ وآلياتٍ لحلِّ أي خلافاتٍ أو مشكلاتٍ حدوديَّةٍ مستقبلًا والاعترافُ المتبادلُ، وَوَضْعُ حدٍّ لمعاملةِ كلِّ طرفٍ لمواطني الطَّرف الآخر كأعداء، وحَظْرُ الطلعاتِ الجوّيةِ العسكريةِ غيْر المصرَّحِ بها، وفتحُ المجالِ الجوّي للرِّحلاتِ التّجاريَّة.
وبإمكانِ قوّات “اليونيفيل” البقاءَ في مواقعِها إلى أن تكتسِبَ القوَّاتُ المسلّحةُ اللّبنانيةُ القدراتِ اللّازمةَ لتأمينِ الجنوبِ بالكامِل. ومع أنَّ مصيرَ اللّاجِئين الفِلسطينيّين يُشَكِّلُ مصدرَ قلقٍ كبيرٍ بالنِّسبةِ للّبنانيّين، يُعْتَبَرُ وِفقًا لما اتُّفِقَ عليه منذُ مؤتمرِ مدريد عام 1990، مسألةً تخصُّ المفاوضاتِ بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين.
لن يكونَ أيّ سَلام بين لبنان وإسرائيل أكثرَ ودِّيَةً من السَّلام بين مِصر والأردن وإسرائيل، بالنَّظرِ إلى الخَسَائِر الكبيرةِ التي تكبَّدهَا الطرفان على مدى العقودِ الماضيَة. ولكن قلَّما يهمُّ ذلك، فحتَّى السَّلام البارِد كفيلٌ بالتَّخفيفِ عن الأجيالِ المُقبلةِ وإبعادِ شبحِ العنفِ عن جانبَيْ الحدود.
عَدَا عن ذلك، الفوائدُ التي سيعودُ بها السَّلام على لبنان واضِحَةٌ، إذْ سيُعبِّدُ تعزيزُ الثقةِ والأمنِ الطّريقَ أمام عودةِ الاستثماراتِ والإيداعاتِ وانتعاشِ السِّياحةِ والنُّموِّ الاقتصادي. كما أنَّ لبنان وضِمنًا الجنوب على موعدٍ مع تدفّقِ المُساعداتِ الدَّوليةِ الكبيرة. وسَيَمْنَحُ السَّلامُ بيروتَ فرصةً حقيقيةً لاستعادةِ مكانتِها كمدينةٍ نابِضةٍ بالحياةِ والتبادلِ التّجاري والثقافي في منطقةِ الشّرق الأوسط وخارجِها.
ولا شكَّ أنَّ بعضَ القوميّين العرَب الذين يعوِّلون على الاستثمارِ في إدانةِ إسرائيل سيعارضون هذهِ الجُهود، كما أنَّ ما تَبَقَّى من “حزب الله” سيقاوِم. ولكن مع استنزافِ قُوَّتِهِ، لا بد من مُجابهتِهِ ومُطالبتِهِ بتقديمِ مسارٍ أفضلَ للبنان، خصوصًا أنَّ نماذجَهُ قد انهارَت. فبعدَ اتفاقِ ترسيمِ الحدودِ البحْريةِ ووقفِ إطلاقِ النارّ في كانون الأوّل، باتَ من الواضحِ أنَّ لبنانَ سيكْسَبُ من الانخراطِ الديبلوماسي مع جيرانِهِ أكثر بكثيرْ من العَداءِ الذي لا يَخْدُمُ إلّا المصالحَ الأجنبيَّة فقط.
إعادةُ تنظيمِ القِوى في المِنطقةِ ولبنان حَوَّلَ السَّلامَ لاحتمالٍ حقيقي. ولكن تمامًا كما تُفْتَحُ النَّوافذُ بشكلٍ غيْر مُتوقعٍ، تضيقُ وتغلقُ بمرورِ الوقت، وهذا ما يجب التنبُّه إليْه. لقد مَنَحَتِ التَّغييراتُ العميقةُ التي طرأَت في الأشهرِ الأخيرة، لبنانَ فرصةً نادرةً للعملِ بناءً على مصالحِهِ الخاصَّة. وينبغي لنا أن نسألَ أولئكَ الذين يدْعون لبنانَ للانتظار: “ما الذي يجبُ انتظارُه بالتّحديد؟”
ولا شكَّ أنَّ فرصةَ مساعدةِ إسرائيل ولبنان على التَّوصُّلِ للسَّلام ستلقى ترحيبًا ومساندةً ودعمًا من واشنطن ومن دولِ الخليج العربي. وهنا، ما عادَ بإمكانِ طهران ودمشق المعارضةَ أو التَّعطيل. وبينما يتطلّعُ الشَّعبُ اللّبناني أخيرًا لاستعادةِ سيادةِ الدّولة، باتَتْ لدى لبنان الفرصةَ لاتخاذِ قرارٍ سياديٍّ نهائي: إبرامُ السَّلامِ مع جيرانِه.
مواضيع ذات صلة :
الخارجية السعودية: موقف المملكة من قيام الدولة الفلسطينية راسخ وثابت ولا يتزعزع | ترامب: لا بديل للفلسطينيين سوى مغادرة غزة | ويتكوف: من السخيف القول إنّ غزة يمكن أن تعود صالحة للسكن خلال 5 سنوات |