رحلة تأليف الحكومة تلفها التعقيدات والهبوط الآمن ينتظر الوقت المناسب
لا يبدو أنّ مسار تأليف الحكومة قادر على الخروج من رواسب المرحلة السابقة التي اعتاد عليها اللبنانيون، فعملية تشكيل الحكومة تترنّح وتكاد تجرّ المعنيين بها إلى دوامة يصعب الخروج منها، وقد برزت إشكالية بأنّ المعايير التي وضعها الرئيس المكلّف يصعب تطبيقها، كما وصفتها بعض الكتل النيابية والقوى السياسية بالانتقائية
كتبت كارول سلوم لـ”هنا لبنان”:
يخوض ملف تأليف الحكومة سباقاً مع الوقت، فمع كل دقيقة تمر يعود الحديث إلى إشكاليات التأليف السابقة حيث طغت المعارك على الحصص والحقائب السيادية والتمسك ببعضها. فرئيس الحكومة المكلف القاضي نواف سلام يريد إخراج التشكيلة الحكومية التي يُريد وفق المعايير التي وضعها من جهة، ومن جهة ثانية لا يرغب في إقصاء أي فريق. أما على أرض الواقع، فلا يبدو أنّ مسار تأليف الحكومة الذي اعتاد عليه اللبنانيون قادر على الخروج من رواسب المرحلة السابقة.
قال الرئيس المكلف من قصر بعبدا أنه من دعاة المرونة وقال قبل ذلك أنه ليس “ليبان بوست”. إلا أنّ البعض يرى اليوم أنّ عملية تشكيل الحكومة تتأرجح وتكاد تجرّ المعنيين بها إلى دوامة يصعب الخروج منها، بينما يتحدث آخرون عن انتظار اللحظة المناسبة لإعلان ولادتها. فيما يكمن التحدي الأساسي في أنّ المعايير الموضوعة للتأليف أثبتت صعوبة تطبيقها بشكل عملي، ما أثار تحفظات من بعض الكتل النيابية والقوى السياسية التي اعتبرت تلك المعايير غير متوازنة وانتقائية.
وفي هذا السياق، ترى أوساط سياسية مطلعة لموقع “هنا لبنان” أنّ رئيس الحكومة المكلف لن يقبل بأيّ وقت “مطاط” وأنّ الأسماء التي لا تزال ترسل إليه مع السير الذاتية تتم جوجلتها، كما يجري العمل على معالجة عقدة مشاركة القوات اللبنانية ومنحها ما يحقق رضاها. أمّا على الصعيد السني، فلا تزال بعض العقد عالقة، لا سيما في ما يتعلق بتمثيل تكتل الاعتدال الوطني، الذي لم يحصل إلا على وعود حتى الآن. وقد خرج بعض أعضائه ليؤكدوا أنّهم “لم يحصلوا لا على حق ولا على باطل”، مشددين على رفض سياسة “ناس بسمنة وناس بزيت”.
وتتحدث الأوساط عن أنّ سلسلة الاتصالات التي تم تزخيمها في الساعات الماضية أرسلت إشارات مفادها أنّ سكة التأليف سائرة ومن المبكر الحديث عن نسف الجهود الداخلية والخارجية التي تبذل، معلنة في الوقت نفسه أنّ أي تبديل لحقيبة أو اسم قد يجر معه أسماء أخرى وبالتالي سينعكس ذلك على التشكيلة الحكومية بأكملها، معربة عن اعتقادها أنّ هناك ثوابت فيها لن تشهد أي تغيير..
لكن هل أخطأ الرئيس المكلف في مقاربته الملف الحكومي؟ تجيب المصادر انه انطلق من مبادئ وألزم نفسه بمعايير يصعب أن تطبق كما يرغب ولم يتصادم مع الثنائي الشيعي لا بل بالنسبة إلى كثيرين وقف على الخاطر، مشيرة إلى أنّ الحكومة المنوي تأليفها تحت المجهر العربي والدولي والمطلوب منها أن تعكس الثقة وربما هذا ما قد يدفع الرئيس المكلف إلى التنبه من أية دعسات ناقصة وهو بكل تأكيد مدرك لذلك ويراجع خياراته أكثر من مرة .
وتتوقف المصادر عند ما ستحمله الزيارة المرتقبة يوم الخميس لفريق عمل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، برئاسة المبعوثة الأميركية للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس وإيريك تراغر، التي تعكس تصاعد الضغوط الأميركية حيال شكل الحكومة المقبلة.
فقد سبق لإدارة ترامب أن نقلت رسائل واضحة إلى الجهات المعنية لبنانياً بملف التأليف وفي صدارتهم سلام، عبر ثلاثة مسؤولين أميركيين، تشدد على ضرورة استبعاد حزب الله بالكامل من التشكيلة الوزارية.
ووفقًا لوكالة “رويترز”، تبرر واشنطن موقفها بأنّ مشاركة الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل، في الحكومة ستؤثر سلبًا على فرص لبنان في الحصول على مساعدات دولية.
وتزامنًا مع هذه الضغوط، برزت تساؤلات حول ما إذا كان تشكيل الحكومة بات مرتبطًا بتسهيل انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق الجنوبية التي لا يزال متواجدًا فيها. خاصة بعد فرض “معايير مشددة” تستبعد ممثلي الثنائي من التشكيلة الحكومية، إلى جانب التصريحات الأميركية المتكررة التي أكدت ضرورة “منع حزب الله من السيطرة على قرار الحكومة”، ما يعكس محاولة أميركية واضحة لإعادة رسم التوازنات السياسية في لبنان.
رحلة تأليف حكومة العهد الأولى تشق طريقها لدخول منطقة الأمان والأنظار الداخلية والخارجية تتجه نحوها لأنّ المطلوب منها الكثير في مرحلة العبور إلى الدولة والالتزام بالشرعية الدولية ، أما المطبات فلا تزال قائمة وتتطلب جهوداً مضاعفة ووسطاء لإزالتها تفادياً لوقوعها في المحظور.