تحدّيات تأسيس لبنان جديد‎


خاص 6 شباط, 2025

التحدّيات الحقيقيّة التي يواجهُها الرَّئيس المكلّف تكمُن في المراهنةٍ المحليّة – الإقليميّة – الدوليّة على قدرتِه، بالتّعاون مع الرئيس جوزاف عون، على تأليفِ حكومةٍ تؤسِّس للبنان جديد لا سلطة فيه لتحالف سلاح الغدْر والمال القذِر وجميع من تعاون مع هذه المنظومة السّيِّئَة الصّيت والفعل من أحزاب وتيّارات وشركات وجمعيّات وكيانات سياسيّة وأفراد ما يسمحُ بإطلاق خطةِ تعافٍ شاملة تنقل لبنان إلى موقعٍ يتمناه الأشراف من مواطِنية وأشقائِه وأصدقائِه.

كتب محمد سلام لـ”هنا لبنان”:

التّحدّي الذي يواجهه الرّئيس المكلّف نواف سلام لا يقتصرُ على نجاحِه في تأليف حكومة وفوزها بثقة المجلس النيابي، فهذه من بديهيّات لزوم دخول السراي الكبير والانضمام إلى نادي رؤساء الحكومات.

التحدّي الحقيقي يتطلّب النجاح في تأليف حكومة تؤسِّس للبنان جديد على أنقاضِ سلاح تلك “الديموقراطية التوافُقِيَّة” التي روّج لها أمين عام حزب الله الرّاحل حسن نصر الله في خطاب إعلان الوثيقة السياسية الجديدة لحزبه في تشرين الثاني عام 2009.

وقال نصر الله “إنَّ الدّيموقراطية التوافقية تشكّل صيغةً سياسيةً ملائمةً لمشاركة حقيقية من قِبَل الجميع، وعامل ثقة مُطَمْئِن لمكوّنات الوطن، وهي تُسهم بشكل كبير في فتح الأبواب للدخول في مرحلة بناء الدولة المطَمْئِنة التي يشعر كلّ مواطنيها بأنّها قائمة من أجلهم. إنَّ الدولة التي نتطلّع الى المشاركة في بنائها مع بقية اللبنانيين هي الدولة التي تصونُ الحريات العامة، وتوفِّر كل الأجواء الملائمة لممارستها”.

صيانة الحرِّيات العامة وتَوَفُّر كل الأجواء الملائمة لممارستِها، التي وعد بها نصر الله، لم تتحقَّق للصحافي والكاتب السياسي لقمان سليم الذي خُطف في بلدة نيحا الجنوبية الواقعة تحت سلطة قوة اليونيفيل بموجب القرار الأممي 1701 واقتيد إلى العدّوسية قرب مدينة صيدا حيث قتل بخمس رصاصاتٍ في الرّأس وواحدة في الظَهر في 4 شباط عام 2021، وبدا واضحًا أنَّ قتْله نُفِّذَ خارج منطقة عمليات اليونيفيل كي لا تشارك القوة الدولية في التحقيقِ لمعرفةِ القتلة الذين ظلّوا مجهولين للقضاء اللبناني حتى بعد أربع سنوات من التّحقيق اللبناني “الشفاف” في الذكرى الرابعة لاغتياله التي حلّت قبل يوميْن.

لماذا لم تضمَنْ التوافقيّة المزعومة للقمان سليم الحرّية العامّة والأجواء الملائمة لممارستِها كما وعد نصر الله؟

ربَّما لأنَّ الرَّاحل لقمان كان شيعيًّا وابن حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية، وهي عاصمة حزب السّلاح الإيراني الذي لا يسمحُ لمعارضيه، ولقمان أحد أبرز رموزهم، بالتواجد ضمنها.

فلماذا لا تُمنح شقيقة لقمان سليم، الأديبة رشا الأمير، حقيبة وزارية مخصّصة للطائفة الشيعيّة أقله ليُحْسَبَ لحكومة العهد الأولى ما تعهَّد به خطاب القسَم الرّئاسي وخطاب التكليف الحكومي.

ولماذا لم تؤمِّنْ توافقيّة نصر الله الحرّية لعدد من الصّحافيّين تمَّ الاعتداء عليْهم في عدَّة مناطق لبنانية لأنهم ينتقدون حزبَ السلاح الإيراني الذي يحمل اسم الله.

التحدّيات الحقيقيّة التي يواجهُها الرَّئيس المكلّف تكمُن في المراهنةٍ المحليّة – الإقليميّة – الدوليّة على قدرتِه، بالتّعاون مع الرئيس جوزاف عون، على تأليفِ حكومةٍ تؤسِّس للبنان جديد لا سلطة فيه لتحالف سلاح الغدْر والمال القذِر وجميع من تعاون مع هذه المنظومة السّيِّئَة الصيت والفعل من أحزاب وتيّارات وشركات وجمعيّات وكيانات سياسيّة وأفراد ما يسمحُ بإطلاق خطةِ تعافٍ شاملة تنقل لبنان إلى موقعٍ يتمناه الأشراف من مواطِنية وأشقائِه وأصدقائِه.

الأمثلة على المهامّ المطلوبةِ من الرّئيس المكلّف كثيرة أحدثها تطالبُ بِه الأوساط الشعبيّة في مدينة طرابلس بعدما سلّم وزير داخلية الأسد الهارب اللواء محمد ابراهيم الشَّعار نفسَه للسُّلطات السوريّة الجديدة.

الشَّعار، الذي اشتُهِر باسم “سفَّاح طرابلس” كان مسؤول المخابرات الأسديّة الذي قاد مجزرةَ منطقة باب التبّانة الطرابلسية عام 1986 والتي قتلت ما لا يقل عن 700 مدني غالبيتهم من المراهِقين والتي يعود إليها اسمه الحركي غير المشرّف.

وتولّى الشّعَّار أيضًا رئاسة مفرزة المخابرات الأسديّة في مدينة طرطوس السوريّة ونسج شبكةَ علاقات مع عصابات التّهريب في قضاءَيْ عكار والمنية اللذيْن يتبعان لصلاحياتِه.

وتتردَّد في شمال لبنان مطالباتٌ للدولة اللبنانية بالادعاء على اللواء السفاح لدى السُّلطة السوريّة الجديدة، كما ملاحقة الذين تعاونوا معه محليًّا ومساءلتهم قضائيًّا، على أمل ألّا تلاقي قضية ضحايا “سفّاح طرابلس” مصير قضية ضحايا تفجير مرفأ بيروت وقضية ضحايا الانهيار المالي الذي أصاب المودعين في كل لبنان.

في هذه الأثناء، ينهمك لبنان في البحثِ عن معادلة اجتماعية تعيد لملمة شرائحه المشتَّتة وتساهم في رفعِه من قعْر مستنقع الفساد إلى رحاب دولة القانون، بعدما فقدت معادلة “لا غالب ولا مغلوب” جدواها، إذْ أفشَلها العقلُ اللُبناني الذي لا يتّعظ بمفاعيل هزيمة إحدى شرائحه، كما تجاوزها العِلم الذي أثبت أن تساوي المغلوب بالغالب هو كتساوي السّلبي بالإيجابي، نتيجته العِلمية الحتميّة هي صفر، لأنّه لا يراكِم مفاعيلَ، بل يلغيها، كمحاولة جمع حقيقة إيجابيّة واحدة مع حقيقة سلبيّة واحدة تكون نتيجتها الحتميّة صفرًا.

وتحوَّلت معادلة “لبنان واحد لا لبنانان” إلى مجرد إنذار يُردَّد كتحذير عندما يبرز خطر تقسيم الكِيان وبعثَرة الشّعوب.

ولم يبقَ إلّا معادلة “التفهّم والتفاهم” تشعل سراج أمل في عتمة ليل التشرذم لعلها، إذا توفَّر لها من يعمل مخلصًا على تنفيذها، تُعيد لملمة “الشعوب” اللبنانيّة بغية توحيدها في إناء دولة واحدة، علمًا أنَّ المعادلات الثلاث هي من بناتِ أفكار رئيس الحكومة الأسبق الرّاحل صائب سلام عمّ الرّئيس المكلّف نوّاف سلام.

فهل تجد معادلة “التفهّم والتفاهم” حافزًا في وجدان الرّئيس نوّاف سلام يحثُّه على السعي لتنفيذها، سواء بالتفاهم على الجمْع او بالتفاهم على الفصْل، المهم أن يكون أساس الفعل هو التفاهم على الإصْلاح.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us