لبنان: الأمن وسياسة النّعامة

ترجمة هنا لبنان 7 شباط, 2025

ترجمة “هنا لبنان”

كتب Marc Saikali لـ”Ici Beyrouth“:

يُقال إنّ النّعامة تدفن رأسَها في الرِّمال حين تشعرُ بالخطر المُحدق… وتعتقد بذلك أنّ الخطرَ سيزول بمجرّد عدم رؤيته. يبدو أنَّ هذا هو النهج المتَّبع في لبنان حاليًّا، حيث يشيحُ البعضُ بأنظارِهم عن المشكلات الآنيّة بدلًا من محاولة العثور على حلّ.

سياسة التغافل عادت إلى الواجهة في ظلّ موجةِ أعمال العنف التي تزايَدت منذ أسابيع عدّة، بشكلٍ متزامن في بعضِ أحياء بيروت. وعلى الرَّغم مِن غياب أدلةٍ قاطعة على ترابط أو ترتيب هذه الأحداث بشكلٍ مسْبق، تطفو عبارة “ولكن…” على السّطح على الدّوام حين يتعلّق الأمر بلبنان… “ولكن” ماذا عن الأحياء المُستهدفة؟ و”لكن” ماذا عن أماكِن الاعتداءات؟ تساؤلاتٌ تفصح عن الكثير من الشّكوك.

“ولكن…” لماذا المحالّ التجاريّة؟ “ولكن…” لماذا أماكِن السّهر؟ مناطق مثل الأشرفية وبدارو؟… لماذا باتت فجأة مسرحًا للاعتداءات. لقد استُهْدِفَت المؤسَّسات والأشخاص، وسُجِّلَتْ جرائم من أشنعها في فاريّا بالإضافة إلى الجريمة بحق الإرشمندريت أنانيا كوجانيان. الجرائم بالجملة ولو أنَّ المجرمين يقبعون خلْف القضبان حين يفتقرون للحماية… و”لكن”… مجدَّدًا، يبدو وكأنّ بئر الجريمة لا ينضب… وما أكثرَ المجرمين!

في مثل هذا السّياق، يتضاعفُ الشّعور بانعدام الأمن بالتّوازي مع الغضبِ المستعِر في قلوب اللبنانيّين. فهؤلاء لا يثقون إلّا قليلًا بالجهاز القضائي ويتساءلون عن غياب الشّرطة البلديّة مثلاً… ومع هذا الغضب، ننجرُّ إلى ما لا تُحْمَدُ عقباه. الحديث بدأ يكبر عن الأمن الذّاتي وينظم بعض الأفراد صفوفَهم لحراسة ممتلكاتِهم بأنفسِهم، في تحوّلٍ خطيرٍ بعيدًا عن سلطة الدولة.

و”لكن”… أين عساها الدولة؟ فلنقل الأمور كما هي… منشغلة في كوكبٍ آخر… إنَّها ساعة “تقاسم جبنة” السّلطة، والأحزاب تتسابق للظّفر بحصّتها الوزارية. كلّ يريد جمع أكبر عدد ممكن من الحقائب “الجيّدة”. هاك قطعة للثنائي الشيعي وهناك قطعة للتيار الوطني الحرّ… ووسط كل ذلك الزّحام، يحاول رئيس الحكومة المكلّف ألّا يعادي أحدًا مع تجنّب الأسماء “غير المستحبَّة”. “ولكن”… كيف كل ذلك؟ وكأنّنا لم نخرج للتوّ من الحرب… وكأنَّ الهزيمة لم تُسَجَلْ! كأنَّ لا ضغوط دوليّة. عودة إلى المربّع الأول… وها نحن ندور من جديد… في تلك الحلقة المُفرغة! يتطلّب الأمر دفعة لكسْر الحلقة المُفرغة… والموعد قريب.

بيروت على موعدٍ مع الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس التي خَلَفَت آموس هوكستين كمبعوثةٍ خاصة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى لبنان. ولا يمكن الزّعم أنّ مماطلة السياسيّين اللبنانيّين تتلاءمُ بأي شكل مع شخصيّتها. بل على العكس، من المتوقّع أن تطالب باتخاذ إجراءات قويّة وتلوِّح بالعصا، والابتسامة على محيَّاها. ويحتملُ أن تحطَّ بانتظام في العاصمة لتهزَّ الركود السياسي الذي يعيشه لبنان. فما الذي ستناقشه؟ الزّائرة الجديدة ستثير تشكيل حكومة لا يمْسك حزب الله بمفاصِلها، بالإضافة إلى الالتزام بقرارات الأمم المتّحدة ونزع سلاح الميليشيات ودعم الجيش اللبناني، فضلًا عن الموعد المفصلي في 18 شباط… تاريخ نهاية الهدنة. قائمةُ المطالب تطول وتطول.

وبالانتظار، يبقى اللبنانيون متأهّبين في كلّ مكان وليس فقط في بيروت، لمراقبة المجرمين الذين يجولون في الشوارع… وكأنّ يدًا خفية تحاول تشتيت انتباهِهم عن المشاكل الحقيقية… كم صَدَقَ بول فاليري حين قال: “السياسة هي فنّ منع الناس من التدخل فيما يخصّهم”!

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع ذات صلة :

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us