ثلاثية مار مارون: عون وسلام وحكومة


خاص 10 شباط, 2025

أفضل الطرق كي ينتقل لبنان في صورة آمنة من مرحلة الانهيار إلى مرحلة النهوض هو اعتماد ثلاثية مار مارون. ستمثّل هذه الثلاثية عنوان النهوض إذا ما قامت بواجباتها على أكمل وجه، وإلا ستكون محاولة العودة إلى ثلاثية سابقة بمثابة وصفة لتأبيد الانهيار

كتب أحمد عياش لـ”هنا لبنان”:

التقط رئيس مجلس النواب نبيه بري فرصة ولادة الحكومة اللبنانية الجديدة فمنحها “بركات مار مارون” شفيع الطائفة المارونية. فحالفه التوفيق مرتيّن: الأولى، ربط إنجاز الاستحقاق الحكومي بعهد رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي يعنيه كثيراً أن ينطلق قطار العهد بقوة من خلال اكتمال عقد السلطة التنفيذية بقيام حكومته الأولى. والثانية، بتوجيه رسالة إلى الطائفة المارونية عشية عيد شفيعها تتضمن التأكيد على أنّ لبنان بلد التنوّع وليس بلد هيمنة أحد مكوّناته.

تفتح عبارة “بركات مار مارون” الأفق على مدى أوسع مما ذهب إليه الرئيس بري. ويأخذنا هذا الأفق إلى ثلاثة أحداث متلاحقة في حدود شهر واحد هي: انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ثمّ تكليف من يشكّل الحكومة الجديدة وأخيراً ولادة الحكومة. وتتالت هذه الأحداث في 9 كانون الثاني الماضي وانتهت في 8 شباط الجاري. تفوّقت هذه الأحداث في تواليها على أحداث مماثلة في تاريخ هذا البلد أقله منذ عقود.

هل هي بركات القديس مار مارون وحدها التي أحدثت هذا الفارق الذي أذهلنا بتسارع محطات تكوين السلطة التنفيذية في مستهلّ عهد جديد؟ إذا كانت هذه البركات فعلت ذلك، فيتطلب ذلك إدراجها في خانة المعجزات التي افتقدها لبنان في حياته السياسية منذ زمن بعيد.

ينعم لبنان منذ السبت الماضي بثلاثية سترافقه مبدئياً حتى أيار من العام ٢٠٢٦، موعد إجراء الانتخابات النيابية. وستتولى الحكومة التي شكّلها ويترأسها نواف سلام إجراء هذا الاستحقاق الذي يضع لبنان على مشارف مرحلة قد تكون استثنائية في تاريخه. وتعود أهمية هذه الانتخابات إلى أنها ستكمل عقد ثلاثية “بركات مار مارون”. فيصبح للبنان برلمان يعكس حقائق التحولات التي مكّنته من مغادرة زمن التعطيل والوصايات إلى زمن العمل والإنجازات كما هو مرتجى.

عندما التقى أمس الرؤساء عون وبري وسلام ومعهم كبار المسؤولين في بهو كنيسة مار مارون في الجميزة كانوا يعلمون أنهم أصبحوا يقفون على أرض متحركة. وباتوا يدركون أنّ لبنان صار على خريطة منطقة لم يعد فيها من معنى لعبارة “إلى الأبد”. وأتى فرار رئيس النظام السوري بشار الأسد قبل شهرين من دمشق إلى موسكو ليعلن نهاية هذه العبارة التي كانت شعار الاستبداد الذي حكم لبنان وسوريا معاً على مدى أكثر من نصف قرن.

أتى اكتمال “ثلاثية” مار مارون وسط مشهد صاخب على الحدود البرية للبنان مع كل من إسرائيل وسوريا. فواصلت إسرائيل تنفيذ خطة التطهير العمراني الذي يجعل من الحافة الحدودية لجنوب لبنان منطقة دمار لن يكون بالإمكان العودة إلى الحياة فيها في المدى المنظور. وشرع النظام الجديد في سوريا بتنفيذ خطة تطهير الحدود الشرقية من منافذ تهريب المخدرات والسلاح والبشر. ولا يعني تزامن ما تفعله إسرائيل جنوباً وما تقوم به سوريا شرقاً أنهما متشابهان، فقد أتى البرهان على أنهما مختلفان بأنّ مديرية أمن حدود إدلب، التابعة لإدارة أمن الحدود في وزارة الداخلية السورية، دمرت عدداً من الأنفاق غير الشرعية المستخدمة في عمليات التهريب بمنطقة أطمة الحدودية مع تركيا، وذلك ضمن جهودها لمكافحة التهريب.

سيعتاد لبنان من الآن فصاعداً على أنّ زمن التهاون على كل الصعد يجب أن ينتهي، بما في ذلك ضبط الحدود مع إسرائيل وسوريا على حدّ سواء. وسيكون ثمن التهاون باهظاً جداً كما كان على مدى عقود. فقد أدى التهاون على الحدود الجنوبية إلى منح إيران فرصة تهريب شعار “إزالة إسرائيل” فكانت النتيجة أنّ لبنان كاد أن يزول في الحرب الأخيرة. كما أدى التهاون على الحدود مع سوريا إلى نشوء اقتصاد المخدرات وتهريب البشر والتورط في الداخل السوري، كما فعل “حزب الله” ما جعل الأخير شريكاً في إجرام النظام الأسدي ما أورث الأقلية الشيعية على جانبي الحدود ويلات بدأت ولا نعلم متى تنتهي.

التقط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سريعاً هذا المشهد الإقليمي الذي يقف لبنان في وسطه، فخلال اتصاله الهاتفي السبت الماضي بكلّ من الرئيس عون والرئيس سلام، مهنّئاً بتشكيل حكومة جديدة، أكد “أهمية مساهمة جميع الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان، مطالباً إسرائيل بـ”استكمال الانسحاب من الجنوب”. وشدّد في الوقت نفسه على أنّ “فرنسا مستعدّة للمساهمة في إرساء الاستقرار على الحدود السورية اللبنانية”.

شكل عيد مار مارون فرصة للانتقال من مرحلة تكوين السلطة التنفيذية إلى مرحلة عمل هذه السلطة التي تنتظرها أشواك استحقاقات وليس ورود التمنيات. وأكبر هذه الأشواك وأكثرها إيلاماً، هو كيف يمكن ملاقاة 18 شباط الجاري موعد انتهاء المهلة الممددة لوقف إطلاق النار بعد كان موعدها السابق في 26 كانون الثاني الماضي. وسيسبق انتهاء هذه المهلة شروع الحكومة الجديدة في صياغة البيان الوزاري لنيل ثقة البرلمان بدءاً من الغد. وسيتبين في سياق إعداد هذا البيان ما إذا كان لبنان قد غادر نهائياً حقبة ثلاثية “حزب الله” أم أنها ما زالت موجود تحت أيّ عنوان يجري الكلام عنه.

يراقب العالم كيف تمضي التحولات في لبنان، وأتى ترحيب السفارة الأميركية في بيروت بإعلان الحكومة الجديدة في لبنان، خالياً من الإشارة إلى ما له علاقة بالجنوب وركز فقط على “أنّ الشعب اللبناني يستحق حكومة تعيد بناء مؤسسات الدولة اللبنانية، وتكافح الفساد، وتنفذ إصلاحات ثمة حاجة إليها”. كما رحّبت الأمم المتحدة بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، وقالت إنّ “تشكيل حكومة اليوم يؤذن بفصل جديد أكثر إشراقاً على لبنان”.

ستنتهي المجاملات سريعاً. وقرأت وسائل إعلام دولية تحولات لبنان بأنها علامة على وجود تبدل جذري في ميزان القوى في لبنان، في أعقاب الضربات المدمرة التي وجهتها إسرائيل لـ”حزب الله” والإطاحة ببشار الأسد.

أفضل الطرق كي ينتقل لبنان في صورة آمنة من مرحلة الانهيار إلى مرحلة النهوض هو اعتماد ثلاثية مار مارون. ستمثّل هذه الثلاثية عنوان النهوض إذا ما قامت بواجباتها على أكمل وجه، وإلا ستكون محاولة العودة إلى ثلاثية سابقة بمثابة وصفة لتأبيد الانهيار.

هل تريد/ين الاشتراك في نشرتنا الاخبارية؟

Please wait...

شكرا على الاشتراك!

مواضيع مماثلة للكاتب:

انضم الى قناة “هنا لبنان” على يوتيوب الان، أضغط هنا

Contact Us