جرائم القتل تُهدّد أمننا… استسهالٌ العنف والإفلات من العقاب

قساوة الجرائم التي حصلت في الفترة الأخيرة، ولعلّ أكثرها وحشيّة كانت جريمة دهس الشاب خليل خليل أمام عينَي شقيقته، من دون أن ننسى قتل جورج روكز وإميل حديفة والارشمندريت أنانيا كوجانيان وغيرهم، دعتنا الى دقّ ناقوس الخطر مع تزايد الشعور بعدم الأمان. ومع ازدياد القلق من الجرائم التي تحصل، تعلو أصوات فئة من اللبنانيّين مطالبة بعودة تطبيق عقوبة الإعدام اقتناعًا منها بأنها ستُشكل رادعًا للمجرمين.
كتبت سمر يموت لـ”هنا لبنان”:
شكّلت أعداد الجرائم المرتكبة في لبنان منذ مطلع العام الجاري، مصدر قلق فعلي للبنانيين. ففي شهر كانون الثاني الماضي وحده وقعت 13 جريمة، ما دفع المواطنين الى تحميل الدولة وأجهزتها الأمنية مسؤوليّة ما يحصل وتبعات عدم ضبط الوضع وحماية أمنهم، خاصَّة أنّ تلك الجرائم حصلت في فترة زمنيّة قصيرة.
لكن وخلافًا لما يُشاع عن ارتفاع جرائم القتل في لبنان، فإنّ الإحصاءات تُشير الى انخفاضها في السنوات الثلاث الأخيرة، ففي عام 2021 بلغ عدد جرائم القتل 190 جريمة، وانخفض عام 2022 إلى 178 جريمة وعام 2023 إلى 158 جريمة، وعام 2024 الى 153 جريمة، لكنّ قساوة الجرائم التي تحصل ولعلّ أكثرها وحشيّة كانت جريمة دهس الشاب خليل خليل أمام عينَي شقيقته، من دون أن ننسى قتل جورج روكز وإميل حديفة والارشمندريت أنانيا كوجانيان وغيرهم، دعتنا الى دقّ ناقوس الخطر مع تزايد الشعور بعدم الأمان.
وفي هذا الإطار، قال مصدر أمني لـ “هنا لبنان” أن “هذا النّوع من الجرائم الجنائية لا يُعالج بإجراءات أمنيّة استباقيّة، فالأمن الوقائي يُسجِّل نجاحًا في الجرائم ذات الطابع الأمني والإرهابي من خلال مراقبة وتعقّب للشبكات”، مُشدِّدًا على “ضرورة التمييز بين الجريمة الأمنيّة المُخطط لها والجريمة الجنائيّة العاديّة”، مشيرًا إلى “أنّ التوجيهات أُعطيَت لتكثيف الدوريات الأمنية واعتقال مرتكبي الجرائم أيًّا كانت جنسياتهم وبينهم السوريون قبل تمكّنهم من مغادرة الأراضي اللبنانية”.
بمقارنة عدد جرائم القتل التي وقعت خلال شهر كانون الثاني 2024 والذي بلغ 15 جريمة، فقد سُجّلت 13 جريمة في كانون الثاني 2025، وربّما يكون الشعور بارتفاع نِسَب الجرائم مردّه الى كون أربع جرائم منها وقعت خلال خمسة أيام فقط منها وأن غالبيّة مرتكبيها هم من فئة الشباب.
استسهال العنف والإفلات من العقاب
يجزم علماء النفس والاجتماع أنّه ليس هناك سببًا واحدًا لارتكاب الجريمة، وما تؤكّده الدكتورة في علم الاجتماع رانيا العرب لـ”هنا لبنان” أنّ “الجريمة اليوم باتت تُهدّد أمن المجتمعات مهما اختلفت أسبابها وهي تُشكّل تحدّيًا أساسيًّا لأي مجتمعٍ لجهة التشريعات والمؤسسات التي تُعنى بمكافحتها”، وتشدّد على ” أنّ لجم الجريمة أساسيّ في أيّ مجتمع لأنّها باتت متجذّرة في مجتمعاتنا المعاصرة ومنها المجتمع اللبناني، فمنذ العام 2019 ولبنان يعاني من تحدّيات جمّة اقتصادية وسياسية واجتماعية، فبات المواطن في سباقٍ مشحون بالقلق والخوف لتأمين أساسيّات الحياة، ما يؤسِّس تلقائيًّا لأرضيّة خصبة للعنف مقابل تراخي الدولة وتقاعسها عن إيجاد الحلول الملائمة للتخفيف من تلك الظاهرة”. ليست العوامل المذكورة سابقًا وحدها الدّافعة لارتكاب أي جريمة، فبرأي الدكتورة العرب أنّ “أسبابًا أخرى قد تكون المحفِّز للجرائم العنفيّة، كالعوز والفقر والبطالة وعوامل نفسيّة أخرى تجعل من المرتكب حاقدًا على مجتمعه ويعاني من علاقة مرَضيّة معه”.
وتلفت العرب الى انحلال القيم الدينية والأخلاقية وانتشار المخدّرات، “حتّى بات العنف أمرًا طبيعيًّا واستسهال ممارسته يدلّ على انهيار المنظومة الردعيّة بسبب تقهقر الدولة وإفلات الكثير من المجرمين من العقاب إمّا بسبب المحسوبيّات أو لضعف القدرات اللوجستية للعناصر الأمنية”.
ودعت الى إيجاد حلول للضغوطات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المواطن وتوفير الرعاية الاجتماعية له ودعم الفئات الهشّة وقبل كلّ شيء وضع خطّة أمنيّة مُحكَمة لخفض معدّل الجريمة عبر تكثيف التّواجد الأمني في كافّة المناطق وتأهيل النظام القضائي في لبنان ليكون قادرًا على لجم الجرائم ومنع تكرارها ويكون قائمًا على الإصلاح أكثر من العقاب.
الإعدام لا يردع الجريمة
ومع ازدياد القلق من الجرائم التي تحصل وزيادة الهواجس من التعرّض للقتل، تعلو أصوات فئة من اللبنانيّين مطالبة بعودة تطبيق عقوبة الإعدام اقتناعًا منها بأنها ستُشكل رادعًا للمجرمين. فهل تفعيل تطبيق الإعدام سيدفع المرتكب الى التفكير بعقوبته قبل تنفيذ جريمته؟ سؤال تجيب عليه الناشطة الحقوقية المحامية ديالا شحادة، لتؤكِّد أن “الدراسات أظهرت أنّ العقوبات لا تردع عن ارتكاب الجرائم والجنايات الخطيرة، وإذا ما قارنّا بين الدول التي تُطبِّق الإعدام وتلك التي لا تُطبِّقه يتبيَّن لنا أن نسب الجرائم لا تتراجع، فمن يرتكب جنايةً خطيرةً لا يحسِب حسابًا لتوقيفِه أو محاكمته فهو يرتكب جرمه إمّا بنزعة إجراميّة أو بحالة غضب من دون أن يأخذ في الحسبان نوعيّة النظام القضائي للبلد الذي يقيم فيه”.
وشدّدت شحادة على “أنّ عقوبة الإعدام لا تردع الجريمة”، معتبرة “أنّ الإعدام بحدّ ذاته هو شكل مشروع للقتل وهو أمرٌ مرفوض، كما أنّ الإعدام هو عقوبة لا يمكن تصحيحها عند وقوع الخطأ، والخطأ وارد في أي نظام قضائي”.
مواضيع مماثلة للكاتب:
![]() “دكتور فود” يواجه السجن المؤبد | ![]() قَرْصَنَ تطبيق شركة “ديليڤري” واستولى على أموالها | ![]() السُّجناء السّوريون مُضرِبون عن الطعام حتى “الحرّية” |